وعلى هذا ، فمقتضى القاعدة هنا التخيير ، بمعنى جعل الشارع أحدهما جزءاً ، إذ احتمال اعتبار خصوصية كل منهما مدفوع بأصالة البراءة ، فانّ اعتبارها يحتاج إلى مؤونة زائدة ، ومقتضى الأصل عدمها ، فإذن النتيجة هي جزئية الجامع بينهما ، لا خصوص هذا ولا ذاك ، هذا كلّه حسب ما تقتضيه القاعدة في دوران الأمر بين فردين طوليين من نوع واحد.
وأمّا بحسب الأدلة الخاصة ، فقد ظهر من بعض أدلة وجوب القيام تعيّنه في الركعة الاولى وهو قوله عليهالسلام في صحيحة جميل بن دراج « إذا قوي فليقم » (١) فانّه ظاهر في وجوب القيام مع القدرة عليه فعلاً ، وأنّ المسقط له ليس إلاّ العجز الفعلي ، والمفروض أنّ المكلف قادر عليه فعلاً في الركعة الاولى ، فإذا كان قادراً عليه كذلك يتعين بمقتضى قوله عليهالسلام : « إذا قوي فليقم » ومن المعلوم أنّه إذا قام في الاولى عجز عنه في الثانية فيسقط بسقوط موضوعه ، وهو القدرة.
وأمّا غير القيام كالقراءة والركوع والسجود ونحوها فلا يظهر من أدلتها وجوب الاتيان بها في الركعة الاولى في مثل هذه الموارد ـ أعني موارد دوران الأمر بين ترك هذه الأجزاء في الاولى وتركها في الثانية ـ لعدم ظهورها في وجوب تلك الامور مع القدرة عليها فعلاً ، بل هي ظاهرة في وجوبها مع القدرة عليها في تمام الصلاة. وعليه فلا فرق بين القدرة عليها في الركعة الاولى والقدرة عليها في الركعة الثانية أصلاً ، ولا تجب صرف القدرة فيها في الاولى بل له التحفظ بها عليها في الثانية ، فإذن المرجع فيها هو ما ذكرناه من التخيير باعتبار أنّ الدليل كما عرفت لا يمكن أن يشمل كليهما معاً ، لفرض عدم القدرة عليهما ،
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣