لا يجري في هذا الفرض ، والوجه فيه ما حققناه في بحث الصحيح والأعم (١) من أنّ لفظة الصلاة موضوعة للأركان بعرضها العريض ، لا لخصوص المرتبة العليا منها ، وعلى هذا يترتب أنّ الصلاة لا تنتفي بانتفاء تلك المرتبة ، وإنّما تنتفي بانتفاء جميع مراتبها ، فإذن يكون المراد من الصلاة في الآية المباركة وهي قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... )(٢) هو الأركان بعرضها العريض ، لا خصوص مرتبة منها ، غاية الأمر يجب الاتيان بالمرتبة العليا في فرض التمكن منها عقلاً وشرعاً ، والمرتبة الاخرى دونها في فرض عدم التمكن من الاولى وهكذا ، وكذا الحال في الطهور حيث إنّه يجب على المكلف الطهارة المائية في فرض وجدان الماء ، والطهارة الترابية في فرض فقدانه.
وعلى ضوء هذا ، فالآية الكريمة تدل على أنّ الصلاة المفروغ عنها في الخارج ـ وهي الجامع بين مراتبها ـ واجبة على المكلف مع الوضوء أو الغسل في فرض كونه واجداً للماء ، ومع التيمم في فرض كونه فاقداً له ، ولا تدل على وجوب كل مرتبة من مراتبها كذلك ، فإذا دار الأمر بين الاتيان بالمرتبة العالية منها مع الطهارة الترابية ، والمرتبة الدانية منها مع الطهارة المائية ، فالآية لا تدل على وجوب الاتيان بالاولى دون الثانية أصلاً ، بل ولا إشعار في الآية بذلك ، لفرض أنّ الصلاة لا تنتفي بانتفاء تلك المرتبة. وقد عرفت أنّ الآية تدل على وجوب الصلاة وهي الجامع بين هذه المراتب بالكيفية المزبورة ، فعندئذ الحكم بوجوب تلك المرتبة ومشروعيتها في هذا الحال وسقوط الطهارة المائية يحتاج
__________________
(١) في المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ١٨٦ ـ ١٨٨
(٢) المائدة ٥ : ٦