وللمناقشة فيما أفاده قدسسره مجال واسع.
أمّا ما أفاده أوّلاً من أنّ القول بالترتب هنا يرتكز على القول بجواز الشرط المتأخر وهو محال ، فيردّه ما حققناه في بحث الواجب المطلق والمشروط من أنّه لا مانع من الالتزام بالشرط المتأخر ، وأ نّه بمكان من الامكان ، غاية الأمر أنّ وقوعه في الخارج يحتاج إلى دليل ، والمفروض أنّ الدليل عليه في المقام موجود ، وهو أنّ العقل مستقل بلزوم التحفظ بخطاب المولى بالمقدار الممكن ، ولا يجوز رفع اليد عنه بوجه من الوجوه ، أي لا عن أصله ولا عن إطلاقه ما لم تقتضه الضرورة. وعليه فإذا وقعت المزاحمة بين تكليفين لا يتمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال ، لا مناص له من الالتزام بالأخذ بأحدهما معيناً إذا كان واجداً للترجيح كما إذا كان أهم ورفع اليد عن الآخر ، ولكن حينئذ يدور الأمر بين أن يرفع اليد عن أصله أو عن إطلاقه ، وبما أنّا قد حققنا إمكان الترتب ، وقد ذكرنا أنّ معناه عند التحليل عبارة عن تقييد إطلاق الأمر بالمهم بترك امتثال الأمر بالأهم ، وعدم الاتيان بمتعلقه في الخارج ، وقد قلنا إنّ هذا التقييد ليس تقييداً حادثاً بحكم العقل ، بل هو نتيجة اشتراط التكليف بالقدرة ، فلا محالة يكون المرفوع هو إطلاقه لا أصله ، ضرورة أنّ رفع اليد عنه عندئذ بلا موجب ومقتض ، وهو غير جائز ، وهذا معنى الدليل على وقوع هذا الشرط.
أو فقل : إنّ اشتراط التكليف بالمتقدم بعصيان الواجب المتأخر ، وعدم الاتيان بمتعلقه على نحو الشرط المتأخر أمر ممكن في نفسه ، ولكن وقوعه في الخارج يحتاج إلى دليل ، والدليل على وقوعه في المقام هو نفس البناء على إمكان الترتب وجوازه ، لما عرفت من أنّ حقيقة الترتب ذلك الاشتراط والتقييد ، ولا نعني به غير ذلك ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : قد ذكرنا أنّ إمكان الترتب يكفي لوقوعه ، فلا يحتاج