أمّا القسم الأوّل : فهو بمكان من الكثرة في أبواب العبادات والمعاملات.
وأمّا القسم الثاني : فهو قليل جداً. نعم ، يمكن أن يكون الصوم من هذا القبيل ، باعتبار أنّ حقيقته عبارة عن ترك عدّة امور كالأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء ونحو ذلك ، وليست عبارة عن عنوان وجودي بسيط متولد من هذه التروك في الخارج ، فإذن الأمر بالصوم ناشٍ عن قيام مصلحة ملزمة في هذه التروك ، ولم ينشأ عن قيام مفسدة كذلك في فعل هذه الامور ، ولذا يقال إنّ الصوم واجب ، ولا يقال إنّ فعل المفطرات محرّم. وعليه فلا محالة يكون مردّ النهي عن كل من الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء في نهار شهر رمضان إلى اعتبار تروك هذه الامور على ذمّة المكلف باعتبار وجود مصلحة إلزامية فيها. فالنهي عن كل واحد منها إرشاد إلى دخل تركه في حقيقة الصوم ، وأ نّه مأمور به بالأمر الضمني.
فالنتيجة هي أنّ مجموع هذه التروك مأمور به بالأمر الاستقلالي ، وكل منها مأمور به بالأمر الضمني.
ومن هذا الباب أيضاً تروك الإحرام في الحج ، فانّ كلاً منها واجب على المكلف وثابت في ذمته وليس بمحرّم ، ضرورة أنّ النهي عنه غير ناشٍ عن قيام مفسدة إلزامية في فعله ، بل هو ناشٍ عن قيام مصلحة ملزمة في نفسه ، بمعنى أنّ الشارع قد اعتبر ترك كل من محرمات الإحرام على ذمّة المكلف ، وأبرزه في الخارج بمبرز ، كصيغة النهي أو ما شاكلها ، ومن الواضح جداً أنّه ليس هنا نهي حقيقةً ، بل أمر في الحقيقة والواقع تعلق بترك عدّة من الأفعال في حال الإحرام ، فيكون ترك كل منها واجباً مستقلاً على المكلف ، وقد تقدّم ما هو ملاك افتراق الأمر والنهي وأ نّه ليس في المبرز ـ بالكسر ـ لما عرفت من أنّه لا شأن له أصلاً