ولنأخذ بالمناقشة فيه : وهي أنّ هذا الخيال يرتكز على نقطة واحدة ، وهي أنّ معنى تعلق الأمر بالأفراد هو تعلقه بها بما لها من المشخّصات الخارجية واللوازم المفرّدة للطبيعة ، بحيث تكون تلك اللوازم داخلةً في متعلق الأمر لا أنّها ملازمة له ، وعليه فالغصب حيث إنّه من مقولة الأين مشخّص للصلاة في المكان المغصوب ومفرّد لها ، وقد عرفت أنّ المشخّص والمفرّد مقوّم لها وداخل في حيّز أمرها ، فإذن يلزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد شخصي في الخارج ـ وهو الصلاة المتشخّصة بالغصب ـ ومن البديهي أنّه يستحيل أن يتعلق الأمر والنهي بشيء واحد في آن واحد ، وأن يكون ذلك الشيء الواحد محبوباً ومبغوضاً معاً حتّى عند من يجوّز التكليف بالمحال كالأشعري فضلاً عن غيره ، لأنّ نفس هذا التكليف محال ، لا أنّه من التكليف بالمحال ، وعليه فلا يعقل النزاع.
وهذا بخلاف ما إذا تعلق الأمر بالطبيعة ، فانّ الغصب خارجاً وإن كان مشخّصاً لها ، إلاّ أنّه غير داخل في المطلوب وخارج عما تعلق به الأمر وعليه فالنزاع في جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه في المسألة عندئذ أمر معقول ، فانّه يرجع إلى النزاع في أنّه هل يسري الحكم من أحد المتلازمين إلى الملازم الآخر أم لا ، فعلى الأوّل لا مناص من القول بالامتناع ، وعلى الثاني من القول بالجواز.
ولكن قد ذكرنا في بحث تعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد (١) أنّ تلك النقطة خاطئة جداً وليس لها واقع موضوعي أبداً ، وذلك لما حققناه هناك وملخّصه : هو أنّ تشخّص كل وجود بنفس ذاته وهويّته الشخصية لا بوجود آخر ، بداهة أنّ كل وجود يباين وجوداً آخر وكل فعلية تأبى عن فعلية اخرى ويستحيل اتحاد إحداهما مع الاخرى ، وأمّا الأعراض الملازمة لهذا الوجود فلا يعقل أن
__________________
(١) في ص ١٩٣