فما أفاده ( قدّس الله سرّه ) من ابتناء النزاع في المسألة على القول بالتبعية لا يرجع إلى معنىً محصّل أصلاً.
وأمّا في الثانية : فهي أنّ الأشاعرة حيث إنّهم قد أنكروا مسألة التحسين والتقبيح العقليين ، وقالوا بأنّ العقل لا يدرك حسن الأشياء وقبحها ، وأنّ كل ما أمر الشارع به حسن ، وكل ما نهى الشارع عنه قبيح ، وأنّ أفعاله تعالى لا تتصف بالقبح أبداً ، فلأجل ذلك قد التزموا بعدم تبعية الأحكام الواقعية للملاكات ، لا في متعلقاتها ولا في أنفسها ، لفرض أنّ عندهم لا مانع من صدور اللغو من الشارع الحكيم. وأمّا الإمامية فحيث إنّهم قد التزموا بتلك المسألة ، وأنّ أفعاله تعالى تتصف بالحسن مرّةً وبالقبح مرّةً اخرى ، فلذلك التزموا بالتبعية المزبورة ، وإلاّ لكان التكليف لغواً محضاً وصدور اللغو من الشارع الحكيم قبيح.
فهذه النقطة هي منشأ الخلاف في تلك المسألة أعني مسألة تبعية الأحكام لجهات المصالح والمفاسد وعدم تبعيتها لها.
فالنتيجة : أنّه لا مساس لمسألتنا هذه بتلك المسألة أصلاً.
وأمّا النقطة الثانية : فيردّها ما تقدّم بصورة مفصّلة في بحث الضد (١) من أنّ مسألة التعارض لا ترتكز على وجهة نظر مذهب دون آخر ، بل تعمّ جميع المذاهب والآراء ، حتّى مذهب الأشعري المنكر لتبعية الأحكام للملاكات مطلقاً ، وذلك لما ذكرناه هناك من أنّ مبدأ انبثاق التعارض بين الدليلين هو عدم إمكان ثبوت الحكمين في مقام الجعل ، وأنّ ثبوت كل منهما في هذا المقام ينفي الآخر ويكذّبه ، ومن المعلوم أنّه لا يفرق فيه بين القول بتبعية الأحكام لجهات المصالح
__________________
(١) في ص ١٩