الحال ، بل قد ذكرنا أنّ الأمر كذلك حتّى فيما إذا كان انتفاء الحكم من جهة عجز المكلف عن امتثاله وعدم قدرته عليه ، فانّ انتفاءه في هذا الحال كما يمكن أن يكون من ناحية وجود المانع مع ثبوت المقتضي ، يمكن أن يكون من ناحية عدم المقتضي له ، بداهة أنّه لا طريق لنا إلى ثبوت المقتضي له في هذا الحال ، كما هو ظاهر.
الثالث : أنّه يمكن رفع التعارض بحمل كل من الاطلاقين على الحكم الاقتضائي إذا لم يكن في البين أظهر ، وإلاّ فيحمل خصوص الظاهر منهما على ذلك ، وعليه فهما دالاّن على ثبوت المقتضي والمناط في المورد ، أعني مورد الاجتماع والتصادق ، وذلك لأنّ المانع من دلالتهما عليه إنّما هو تعارضهما وتنافيهما بحسب مقام الاثبات والدلالة ، وأمّا بعد علاجه بالجمع بينهما عرفاً فلا مانع من دلالتهما عليه أصلاً.
ولنأخذ بالمناقشة في هذه الخطوط :
أمّا الخط الأوّل : فلأ نّه يبتني على تسليم أن يكون المعتبر في باب الاجتماع هو كون المجمع مشتملاً على مناط كلا الحكمين معاً في مورد الاجتماع ، لتستدعي الحاجة إلى إثبات ذلك في الخارج بدليل ، ولكن قد عرفت منع ذلك في الأمر الثامن (١) وقلنا هناك إنّ مسألة الاجتماع لا ترتكز على وجهة نظر مذهب دون آخر ، بل تجري على وجهة نظر جميع المذاهب والآراء ، وذلك لما تقدّم من أنّ المسألة تبتني على ركيزة اخرى وتدور مدار تلك الركيزة ، وهي أنّ المجمع إذا كان واحداً وجوداً وماهيةً فلا بدّ من الالتزام بالامتناع ، سواء فيه القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد والقول بعدمها ، وسواء أكان المجمع مشتملاً على
__________________
(١) راجع ص ٤٠٠