له ، والسر في ذلك هو أنّه لا واقع لحكم العقل بالحسن والقبح ما عدا إدراكه استحقاق الفاعل الذم على فعل والمدح على آخر ، ومن المعلوم أنّ استحقاق الفاعل المدح أو الذم على صدور فعل منه إنّما يكون في فرض التفاته إلى الجهة المحسّنة أو المقبّحة له ، وإلاّ فلا يعقل اتصافه بذلك.
ولكن الأمر في الأحكام الشرعية ليس كذلك ، ضرورة أنّها تابعة للجهات الواقعية في مقام الجعل بلا دخل لعلم المكلف وجهله في ذلك المقام أصلاً ، وفي مقام الفعلية تابعة لفعلية موضوعها وتحققه في الخارج ، ولا دخل لعلم المكلف بالحكم في فعليته أصلاً ، كما أنّه لا يضرّ بها جهله ، فلو كانت الأحكام الواقعية تابعة للجهات الواصلة للزم التصويب وانقلاب الواقع لا محالة ، فعندئذ يخرج المقام عن محل النزاع ، فانّه على هذا ليس في مورد الاجتماع حكمان ليتكلم في جواز اجتماعهما فيه وعدم جوازه ، بل حكم واحد فحسب ، فانّ المكلف إذا كان جاهلاً بالحرمة جهلاً عن قصور فلا حرمة في مورد الاجتماع واقعاً ، بل هو متمحض في الوجوب ، وإن كان العكس فبالعكس ، كما هو واضح.
ولكنّك عرفت فساد هذا المبنى وأنّ المؤثر في الأحكام إنّما هو الجهات الواقعية لا غيرها ، وعليه فمناط الحرمة في مورد الاجتماع بما أنّه كان أقوى كما هو المفروض ، فلا محالة يكون هو المؤثر ، ولا أثر لمناط الوجوب عندئذ أصلاً ، سواء أكان المكلف عالماً بالحرمة أم كان جاهلاً بها عن تقصير أو قصور ، فعلى جميع التقادير لا يكون المجمع واجباً.
أمّا على التقدير الأوّل والثاني فواضح ، كما اعترف هو قدسسره بذلك. وأمّا على التقدير الثالث فلأنّ الجهل لا يوجب انقلاب الواقع ، فالواقع باقٍ على ما كان عليه ، وأنّ ملاك الوجوب بما أنّه مزاحم بما هو أقوى منه فلا أثر له.