الثانية : من جهة المنتهى ، أعني مرحلة الامتثال والاطاعة.
أمّا من ناحية المبدأ : فلأنّ الوجوب والحرمة بناءً على وجهة نظر مذهب العدلية كاشفان عن المحبوبية والمبغوضية في متعلقه ، وعليه فلا يمكن اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد ، وذلك لاستحالة أن يكون شيء واحد محبوباً ومبغوضاً معاً ، فمن هذه الناحية لايمكن اجتماعهما في شيء واحد وفي زمان فارد لا بالذات والحقيقة.
فالنتيجة أنّ المضادة بين الوجوب والحرمة إنّما هي بالعرض والمجاز ، فانّها في الحقيقة بين المحبوبية والمبغوضية والمصلحة الملزمة والمفسدة كذلك ، كما هو واضح.
وأمّا من ناحية المنتهى : فلأنّ اجتماعهما في شيء واحد يستلزم التكليف بالمحال وبغير المقدور ، لفرض أنّ المكلف في هذا الحال غير قادر على امتثال كليهما معاً.
وأمّا ما ذكره قدسسره من أنّ المضادة بين الأحكام الشرعية إنّما هي في مرتبة فعليتها وبلوغها حدّ البعث والزجر ، مبني على نقطة واحدة وهي أن تكون الأحكام من قبيل الأعراض الخارجية ، فكما أنّ المضادة بين الأعراض إنّما كانت في مرتبة فعليتها ووجودها في الخارج ، لوضوح أنّه لا مضادة بين السواد والبياض قبل فعليتهما ووجودهما فيه ... وهكذا ، فكذلك المضادة بين الأحكام الشرعية إنّما تكون في مرتبة فعليتها ووجوداتها في الخارج ، فلا مضادة بين الوجوب والحرمة قبل وجودهما فيه وبلوغهما حدّ البعث والزجر.
ولكن تلك النقطة خاطئة جداً ، وذلك لأنّ الأحكام الشرعية ليست من سنخ الأعراض الخارجية لتكون المضادة بينها في مرتبة فعليتها ووجوداتها في الخارج ، لما ذكرناه من أنّ المضادة صفة عارضة على الموجودات الخارجية ،