وعلى هذا الأساس نستنتج من ذلك كبرى كلّية وهي أنّ كل واجب لم يكن وجوبه مشروطاً بعدم كون متعلقه في نفسه محللاً للحرام يتقدّم في مقام المزاحمة على واجب كان وجوبه مشروطاً بذلك ، كالواجبات الإلهية التي ليست بمجعولة في الشريعة المقدّسة ابتداءً ، بل هي مجعولة بعناوين ثانوية كالنذر والعهد والحلف والشرط في ضمن عقد وما شاكل ذلك ، فانّ وجوب الوفاء بتلك الواجبات جميعاً مشروط بعدم كونها مخالفة للكتاب أو السنّة ومحللة للحرام ، فتؤخذ هذه القيود العدمية في موضوع وجوب الوفاء بها.
وعلى ذلك يترتب أنّ تلك الواجبات لا تصلح أن تزاحم الواجبات التي هي مجعولة في الشريعة المقدّسة ابتداءً ، كالصلاة والصوم والحج وما شابه ذلك ، لعدم أخذ تلك القيود العدمية في موضوع وجوبها ، وعليه ففي مقام المزاحمة لا موضوع لتلك الواجبات ، فينتفي وجوب الوفاء بها بانتفاء موضوعه.
فالنتيجة : أنّ عدم مزاحمة تلك الواجبات معها لقصور أدلتها عن شمولها في هذه الموارد ـ أعني بها موارد مخالفة الكتاب أو السنّة وتحليل الحرام في نفسها ـ لانتفاء موضوعها ، لا لوجود مانع في البين ، ومن هنا قلنا إنّ أدلة وجوب الوفاء بها ناظرة إلى الأحكام الأوّلية ، ودالة على نفوذ تلك الواجبات ووجوب الوفاء بها فيما إذا لم تكن مخالفة لشيء من تلك الأحكام. وأمّا في صورة المخالفة فتسقط بسقوط موضوعها كما عرفت ، وتمام الكلام في ذلك في محلّه.
وأمّا النقطة الثالثة : وهي أنّ الأسبق زماناً إنّما يكون مرجحاً فيما إذا لم تكن هناك جهة اخرى تقتضي تقديم الآخر عليه ، فهي في غاية الوضوح ، لأنّ كل مرجح وإن كان يستدعي تقديم صاحبه على غيره ، إلاّ أنّ استدعاءه ليس على نحو العلة التامة ، بل هو على نحو الاقتضاء ، فلو كان هناك مانع من تقديمه