مناص من الالتزام بصحته وانعقاده ، وتقييد إطلاق دليل التحريم بغير هذا الفرد ، ولا يفرق فيه بين القول باعتبار رجحان متعلقه في نفسه ، والقول بكفاية الرجحان الناشئ من تعلق النذر به ، ضرورة أنّه على كلا القولين لا مناص من الالتزام بالصحة ، غاية الأمر على القول الأوّل يلزم أن يكون الدليل المزبور مخصصاً لأدلة اشتراط صحة النذر بكون متعلقه راجحاً في نفسه دون القول الثاني ، ولكن لا تترتب على ذلك أيّة ثمرة عملية.
وقد تحصّل مما ذكرناه عدّة امور :
الأوّل : أنّ وجوب الحج ليس مشروطاً بالقدرة شرعاً ، فانّه يبتني على تفسير الاستطاعة بالتمكن من أداء فريضة الحج عقلاً وشرعاً ، ولكنّك عرفت أنّه تفسير خاطئ بالنظر إلى الروايات الواردة في تفسيرها وبيان المراد منها ، حيث إنّها قد فسّرت في تلك الروايات بالتمكن من الزاد والراحلة وأمن الطريق ، وفي بعضها وإن زاد صحة البدن أيضاً ولكن من المعلوم أنّها ليست شرط الوجوب مطلقاً ، بل هي شرط له على نحو المباشرة ، ونتيجة ذلك هي أنّه عند وجود الزاد والراحلة وأمن الطريق يجب الحج ، سواء أكان هناك واجب آخر أم لم يكن.
وعلى هذا الأساس فلا مجال لتوهم أنّ وجوب الحج مشروط بالقدرة شرعاً ، فانّ منشأ هذا التوهم ليس إلاّ التفسير المزبور ، وقد عرفت أنّه تفسير غير مطابق للواقع. فإذن يتقدّم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر في مقام المزاحمة وإن فرض أنّ وجوب الوفاء بالنذر سابق عليه زماناً ، لما مضى من أنّ الواجب المشروط بالقدرة عقلاً يتقدّم في مقام المزاحمة على الواجب المشروط بالقدرة شرعاً مطلقاً ، أي سواء أكان في عرضه أو سابقاً عليه بحسب الزمان أو متأخراً عنه.