أمّا وجه تقديمه في الصورتين الاوليين فواضح ، لفرض أنّ التكليف به بما أنّه فعلي يكون معجّزاً مولوياً بالاضافة إلى الآخر وموجباً لانتفائه بانتفاء موضوعه ، دون العكس.
وأمّا في الصورة الأخيرة ، فلأنّ المفروض أنّ ملاكه حيث إنّه تام في ظرفه فلا يجوز تفويته ، إذ لا فرق في نظر العقل بين تفويت الواجب الفعلي وتفويت الملاك الملزم في ظرفه ، فكما أنّ الأوّل قبيح عنده فكذلك الثاني ، وعليه فيجب التحفظ على ملاكه وعدم تفويته ، وبما أنّ الاتيان بالواجب الآخر موجب لتفويته فلا يجوز ، وهذا معنى عدم قدرة المكلف على إتيانه شرعاً.
الثاني : أنّه لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ وجوب الحج مشروط بالقدرة شرعاً بناءً على صحة التفسير المزبور ، فأيضاً لا وجه لتقديم وجوب الوفاء بالنذر وأشباهه عليه ، وذلك لما عرفت من عدم دخول ذلك في كبرى تزاحم واجبين كان أحدهما أسبق زماناً من الآخر ، فانّ العبرة في ذلك إنّما هي بتقدم أحد الواجبين على الآخر زماناً كما مرّ ، ولا عبرة بتقدم سبب وجوب أحدهما على سبب وجوب الآخر ، أو بتقدم حدوث وجوب أحدهما على حدوث وجوب الآخر بعد كونه مزاحماً به بقاءً.
الثالث : أنّه لو تنزلنا عن ذلك أيضاً وسلّمنا أنّ وجوب الوفاء بالنذر وما شاكله مقدّم على وجوب الحج زماناً ، فمع ذلك لا وجه لتقديمه عليه ، وذلك لما عرفت من الوجهين المتقدمين ، ونتيجتهما هي أنّ حصول الاستطاعة في زمن متأخر كاشف عن بطلان النذر من الأوّل وعدم انعقاده.
ومن ذلك البيان قد ظهر فساد ما ذهب إليه جماعة منهم صاحب الجواهر قدسسره (١) من تقديم وجوب الوفاء بالنذر وأشباهه على وجوب الحج ،
__________________
(١) الجواهر ١٧ : ٢٥٨