وقد تبيّن لحدّ الآن أنّ ما هو المشهور بين الأصحاب ـ من تقديم وجوب الوفاء بالنذر وأشباهه على وجوب الحج إذا كان النذر قبل حصول الاستطاعة ، باعتبار أنّ وجوبه مطلق ووجوب الحج مشروط ، فهو رافع لموضوعه ومانع عن حصول شرطه ـ لا أصل له ، ولا يرجع إلى معنىً محصّل أصلاً.
وأمّا الثاني : وهو ما إذا كان الواجبان المشروطان بالقدرة شرعاً عرضيين ، فهل يلاحظ فيه الترجيح فيقدّم الأهم على غيره أم لا؟ ثمّ على فرض عدم ملاحظة الترجيح بينهما ، وعدم تقديم الأهم على غيره ، فهل التخيير الثابت بينهما عقلي أو شرعي ، فهنا مقامان :
الأوّل : أنّ كبرى مسألة تقديم الأهم على غيره هل تنطبق على المقام ـ وهو ما إذا كان التزاحم بين واجبين يكون كل منهما مشروطاً بالقدرة شرعاً ـ أم لا؟
الثاني : أنّ الحاكم بالتخيير بينهما في صورة تساويهما أو من جهة أنّه لا وجه لتقديم الأهم على غيره هل هو الشرع أو العقل؟.
أمّا المقام الأوّل : فقد ذهب شيخنا الاستاذ قدسسره (١) إلى أنّه لا وجه لتقديم الأهم على غيره ، وقد أفاد في وجه ذلك أنّ الأهمّية إنّما تكون سبباً للتقديم فيما إذا كان كل من الواجبين واجداً للملاك التام فعلاً ، وأمّا في مثل مقامنا هذا حيث يكون كل من الواجبين مشروطاً بالقدرة شرعاً فيستحيل أن يكون كل منهما واجداً للملاك بالفعل ، لفرض أنّ القدرة دخيلة فيه ، والمفروض هنا أنّه لا قدرة للمكلف على امتثال كليهما معاً ، والقدرة إنّما هي على امتثال أحدهما دون الآخر ، وعليه فيكون الملاك في أحدهما لا في غيره ، ومن الظاهر أنّ أهمّية طرف لاتكشف عن وجود الملاك فيه دون الطرف الآخر ، ضرورة أنّا
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٤١