الواقع بناء على علم الشّارع بمطابقة الأصل المبني عليه العمل للواقع غالبا ، كعلمه بغلبة مطابقة الظّنون النّوعيّة للواقع فيأتي هنا ما ذكرنا هناك.
وثانيا : أنّ العبرة في الحكم بالتّخيير ـ بعد البناء على خروج المتعارضين عن تحت الدّليل مطلقا في الأسباب والطّرق حسبما بيّناه ـ باستقلال العقل ، أو قيام الإجماع على وجود مقتضي الامتثال في كلّ منهما بحيث لو تمكّن المكلّف منه لوجب ، والعقل إنّما يستقلّ بذلك في الأسباب والأحكام الواقعيّة النّفسيّة ، وأمّا ما عداها من الأحكام الظّاهريّة العذريّة فلا استقلال فيها بوجود المقتضي عند التّعارض ، وما قام الإجماع أيضا على ذلك ، فإذا لم يحكم العقل بوجود المقتضي في كلّ منهما والمفروض عدم شمول الخطاب لهما معا للتّنافي والتّعارض ، فالمرجع هو الأصل القاضي بعدم الاعتبار سواء كان ذلك الحكم الظّاهري من الطّرق أو الأصول (١). انتهى كلامه رفع مقامه.
وأنت خبير بتطرّق المناقشة إلى ما ذكره ؛ فإنّ ما ذكره أوّلا في الجواب عن السّؤال يتوجّه عليه :
أوّلا : بأنّه ينافي عنوان الأصل المقابل للدّليل وخروج عن الفرض ؛ ضرورة أنّ الأصل الملحوظ في اعتباره في نظر الشّارع غلبة مطابقته للواقع يكون من الأدلّة على ما عرفت مرارا واعترف به الفاضل المعاصر أيضا في مواضع من كلماته ، ومن هنا ذكرنا : أنّ عدّ الاستصحاب من الأصول إنّما هو على القول به من باب التّعبّد لا الظّن ، وإلاّ خرج عن الأصول ولو على القول بإناطته بالظّن النّوعي.
__________________
(١) بدايع الأفكار : ٤٢١.