وليس هذا إلاّ من جهة ما ذكر : من اختصاص الخطاب بالتّرجيح بالمجتهد.
لا يقال : إنّ الخطاب الأصولي كالفرعي متعلّق بنوع المكلّفين من غير فرق بين المجتهد والعامي. ومن هنا يرجع العوام في إعصار النّبي المختار صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة الأطهار عليهمالسلام إلى الأخبار المرويّة عنهم عليهمالسلام ويعملون بها ويعالجون متعارضاتها بما ورد عنهم عليهمالسلام ، كما يعمل بها المجتهدون ويعالجون متعارضاتها بما ورد في باب العلاج.
ودعوى : اختصاص ما دلّ على العمل بأخبار الآحاد وما ورد في علاج ما تعارض منها بالمجتهد ، مصادمة للضّرورة ، بل المخاطب في كثير منها العوام بحيث لا مجال لإنكاره.
نعم ، كان لهم طريق آخر أيضا وهو التّقليد كما هو الحقّ ودلّ عليه الأخبار ، وذلك لا ينفي جواز العمل لهم بالرّواية.
بل قد يقال : بثبوت الطّريقين للمجتهد أيضا ؛ فإنّ عمله بالأخبار الواضحة السّليمة ليس من حيث الاستناد إلى رأيه ونظره العلمي وملكته الرّاسخة ، بل من حيث الاستناد إلى حسّه المشترك مع العامي في ذلك ، فالخطاب بالعمل بالطّرق عام للعالم والعامي لا فرق بينهما من هذه الجهة أصلا.
غاية ما هناك : أنّ العامي لا يقدر في زماننا هذا وأشباهه على تشخيص مدلول الخبر ، وإحراز شرائط العمل به ، ودفع معارضاته من جهة عروض السّوانح ، واختفاء وليّ الأمر ، وطول غيبته ، وكثرة الأفكار ، واختلاف الأنظار ، وتشتّت الآراء وغير ذلك ، والمجتهد يقدر على ذلك كلّه ، فكأنّ المجتهد نائب عن العامي في ذلك ، وإلاّ فأصل العمل بمضمون الخبر مشترك بين المجتهد والعامي ، فهذا