قاضيا إلى اليمن في ترتيب الأدلّة وتقديم بعضها على بعض (١).
ومنها : دلالة الكتاب على ذلك فإنّ لازم ترك التّرجيح التّخيير والتّسوية بين خبر الفاسق ، والعادل ، والعالم ، والجاهل وهو منفيّ بقوله تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً )(٢) وقوله تعالى : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )(٣).
ومنها : أنّه لو لم يجب العمل بالرّاجح وجاز التّخيير لم يجب تخصيص عامّ بخاصّ ولا تقييد مطلق بمقيّد ولا تأويل ظاهر بالأظهر ، وذلك هدم للدّين وتضييع لشريعة سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم وإبطال لمنهاج الأئمّة المعصومين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) لأنّ معظم الأدلّة الشّرعيّة متعارضة فيلزم من ترك التّرجيح المحظور المذكور وبطلان التّالي من جهة وضوحه لا يحتاج إلى البيان.
وهذا هو المراد ممّا ذكره جماعة من لزوم الهرج والمرج والفقه الجديد من ترك التّرجيح كما في « الكتاب » وإلاّ فالقائل بعدم وجوب التّرجيح لا يعترف بثبوت التّرجيح في الشّرع حتّى يلزم من تركه بطلان الدّين. نعم ، لمّا كان التّرجيح بالمرجّحات المذكورة ممّا لا يقبل الإنكار استدلّ به على لزومه.
ومن هنا أجاب شيخنا العلاّمة عن هذا الوجه في « الكتاب » : بأنّ الظّاهر خروج هذا النّحو من المتعارضات عن محلّ الكلام ؛ فإنّ التّرجيح بينها من الجمع الّذي تقدّم تقديمه على الطّرح ترجيحا وتخييرا عندهم فلا يلزم من ترك التّرجيح
__________________
(١) الإحكام للآمدي : ج ٤ / ١٤٠.
(٢) السجدة : ١٨.
(٣) الزمر : ٩.