تقديم المرجّح من حيث الدّلالة على المرجّح من حيث الجهة ـ ما هذا لفظه :
« ولكن في النّفس الآن منه شيء والتّحقيق : هو أنّهما إمّا قطعيّان ، أو ظنّيان ، أو مختلفان ، فإن كانا قطعيّين قدّم ترجيح الدّلالة ، فلو تعارض العام والخاصّ وكان الثّاني موافقا للعامّة عمل بالخاصّ كأخبار بطلان الصّلاة بزيادة الرّكعة ، وأخبار صحّتها إذا جلس بعد الرّابعة بقدر التّشهّد ؛ فإنّها موافقة لمذهب العامّة ؛ لأنّ المدار في التّرجيح على الظّن. ولا شكّ أنّ التّخصيص أغلب وأظهر من التّقيّة في الأخبار ، هذا إذا قطعنا النّظر عن النّص ومشينا على موجب القاعدة.
وأمّا بعد ملاحظة كون موافقة العامّة أمارة تعبّديّة على التّقيّة ، أو جاريا مجرى القرينة العامّة ـ حسبما شرحنا مفصّلا فيما سبق ـ فمقتضى القاعدة : أن يكون الأمر بالعكس ، فيجب حمل الخاصّ على التقيّة ولو كان قطعيّ السّند والدّلالة ؛ لأنّ الشّك في التّخصيص بعد قطعيّة الخاص مسبّب عن الشّك في صدوره تقيّة ، وبعد قيام الدّليل على صدور الخاصّ تقيّة كان حاكما على أصالة العموم. وهذا التّسبّب وإن كان موجودا مع قطع النّظر عن الأخبار ، إلاّ أنّ أصالة عدم التقيّة لا مانع من العمل به حينئذ ، ولا يعارضه أصالة العموم للتسبّب القاضي بالتّقديم. والحاصل : أنّ قضيّة التّسبّب العمل بما يقتضيه الأصل السّببي ، فإن كان الأصل عدم التقيّة عمل بالخاصّ. وإن كان هي التقيّة عمل بالعام. ففي المثال المذكور ينبغي حمل أخبار الصّحة بعد الجلوس على التّقيّة ، كما فعله صاحب « الرّياض » (١) وهذا هو الأصحّ وعليه عمل غير واحد في الكتب الفقهيّة كما لا
__________________
(١) رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل : ج ٤ / ٢٠٩.