نصب القرينة والصّارف فليس هناك ما يدفعه ، وليس مرجوحا أيضا بعد كثرة وقوعه ، وهذا ما ذكرنا من إداء ذلك إلى إجمال الألفاظ بأسرها.
قلت : إيجاب ما ذكرنا لسدّ باب التّمسك بالظّواهر توهّم فاسد ؛ إذ التّعمّد في ترك نصب القرينة لرعاية المصلحة في اختفاء المراد على خلاف ما يقتضيه الأصول ، ووضع التّخاطب والمحاورات ، فلا يعتنى باحتماله عند أهل اللّسان ، فهو نظير التّورية فيما كان هناك ما يقتضي إخفاء المراد. مع أنّ تجويزها لا يوجب التّوقّف والإجمال وسدّ باب التّمسّك بالظّواهر عند احتمالها. وهذا هو المراد بما أفاده شيخنا العلاّمة في الجواب عن السّؤال المذكور بقوله : ( قلت : المستند في إثبات أصالة الحقيقة ... إلى آخره ) (١).
ثمّ إنّ ما ذكرنا لا يختصّ بالمخصّصات والمقيّدات المتأخّرة الواردة بعد العمل بالعمومات والمطلقات ، بل يجري في جميع الصّوارف المتأخّرة عن أزمنة العمل بالظّواهر ؛ فإنّه وإن احتمل كونها كاشفة عن القرينة المختفية عن أهل زمان الاطّلاع على الصّوارف ، إلاّ أنّ المتعيّن على ما عرفت جعلها قرينة بأنفسها مختفية عن أهالي أزمنة ورود الظّواهر في حقّهم أو مخاطبتهم بها وكون تكليفهم ظاهرا العمل بتلك الظّواهر.
ثمّ إنّا وإن أشرنا إلى جملة من المرجّحات الصّنفيّة والنّوعيّة بحسب الدّلالة في مطاوي كلماتنا إلاّ أنّه لا بأس في شرح القول في بعضها اقتفاء لأثر شيخنا الأستاذ العلاّمة.
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٤ / ٩٧.