فمنها : ما إذا ورد هناك عام ومطلق تعارضا في بعض مصاديقهما كقوله يجب إكرام العلماء ، ويستحبّ إكرام الشّاعر ، بناء على القول بظهور الجمع المحلّى في العموم ، والمفرد المحلّى في الإطلاق ، وقوله أكرم عالما ولا تكرم شاعرا ؛ فإنّهما كما ترى يتعارضان في مادّة الاجتماع منهما وهو العالم الشّاعر بالعموم والإطلاق. ولا إشكال في ترجيح العموم على الإطلاق نوعا وجعله صارفا عن الإطلاق وقرينة للتّقييد. وهذا معنى قولهم : إنّ التّقييد أولى من التّخصيص ، فيحكم في المثال الأوّل بوجوب إكرام العالم الشّاعر ، وفي الثّاني بحرمته.
أمّا على ما اختاره سلطان العلماء في حقيقة المطلق : من كونه موضوعا للماهيّة المهملة ، وكون التّقييد حقيقة إذا لم يكن باستعمال المطلق فيه فواضح ؛ لأنّ ظهوره على هذا القول في الإطلاق بعد اجتماع الشّرائط ليس مستندا إلى الوضع بل إلى الحكمة وعدم بيان القيد فيما كان المقام مقام البيان ، فأصالة الإطلاق أصل تعليقي بالنّسبة إلى ما يدلّ على التّقييد ولا تكون في مرتبته ، وهذا بخلاف العموم فإنّه مستند إلى الوضع فيكون الدّال عليه نفس اللّفظ ، فيكون دليلا على التّقييد وبيانا له بحكم العرف والشّرع من حيث كونه دليلا تنجيزيّا بالنّسبة إلى أصل الإطلاق ، وإن كان تعليقيّا بالنّسبة إلى الخاصّ أيضا.
فلو جعل نفس الإطلاق مانعا عن العمل بالعموم والحال هذه لزم الدّور جزما ؛ حيث إنّ ظهور اللّفظ في الإطلاق المعلّق على عدم العموم موقوف على عدم العموم المستندة إلى الإطلاق بالفرض ، فيلزمه ما ذكر من الدّور. نظير جعل قاعدة لزوم دفع الضّرر المحتمل مانعا عن العمل بقاعدة « قبح العقاب بلا بيان » في موارد البراءة العقليّة على ما نبّهناك عليه في الجزء الثّاني من التّعليقة.