أمّا الكلام في المقام الأوّل فحاصله :
أنّ قضيّة صريح « الكتاب » بعد ذلك استظهار تقديمه على المرجّح من حيث الجهة ؛ نظرا إلى تأخّر عنوان صدور الخبر عن صدوره مرتبة. فإذا حكم بعدم صدور المرجوح صدورا وبنى عليه بمقتضى دليل التّرجيح من حيث الصّدور ، فليس هناك خبر صادر عن الحجّة حتّى يحكم بأنّ صدوره لبيان الحكم الواقعي من جهة الأمارة القائمة عليه في قبال الآخر المرجوح من حيث جهة الصّدور.
ومرجع هذا كما ترى ، إلى تحكيم التّرجيح الصّدوري على التّرجيح الجهتي. وإليه يرجع ما أفاده في « الكتاب » بعد ذلك في تقريبه بقوله : ( لأنّ هذا التّرجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا ... إلى آخره ) (١) هذا. مضافا إلى دلالة المقبولة على ذلك فتأمّل (٢).
لا يقال : مقتضى دليل التّعبد بصدور الخبرين مهما أمكن هو الحكم بصدورهما وإن أوجب حمل أحدهما على التّقيّة والتّصرّف في جهة صدوره لمكان المرجّح ، كما يلتزم بذلك في تعارض الظّاهر والأظهر سيّما على القول بلزوم التّورية على الإمام عليهالسلام في مقام التّقيّة وإرادة خلاف الظّاهر وإن لم نقل بلزومها على غيره وجواز الكذب له كما سيصرّح به في « الكتاب ».
لأنّا نقول : معنى التّعبّد بالصّدور هو العمل بالخبر وترتيب الآثار عليه ، وهذا
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٤ / ١٣٧.
(٢) وجه التأمّل : أن الإستدلال بالمقبولة على المدّعى إنّما يستقيم على تقدير الإقتصار على المرجّحات المنصوصة والأخذ بالترتيب الملحوظ فيها وإلاّ فلا معنى له جدّا. منه دام ظلّه العالي.