كما أنّه لا بدّ له من الرّجوع إليها لتحصيل ما هو مناط أصل الحجّيّة وإن كان هذا العلم كأكثر ما له دخل في الاستنباط من العلوم متروكا عند كثير من محصّلي أهل عصرنا ، وقد اتّخذوا الاجتهاد أسهل الأمور مع أنّه أشقّها ، ونسأل الله تعالى التّوفيق لتحصيله كما وفّق له علماءنا الماضين رضوان الله عليهم أجمعين.
الثّاني : أنّا قد ذكرنا لك في مطاوي كلماتنا الكلام في إلحاق غير الأخبار من الظّنون الخاصّة بالأخبار في أحكام التّعارض ترجيحا وتخييرا. وعلى القول بعدم الإلحاق لا بدّ أن يراعي الفقيه ما يقتضيه القاعدة في تعارض الطّرق ؛ فإنّ الحكم المذكور ترجيحا وتخييرا على خلاف الأصول والقواعد.
فإذا تعارض من غير الأخبار أمارتان وكان إحداهما موافقة للكتاب أو السّنة ، فلا بدّ من الأخذ بهما من حيث كونهما مرجعا لا مرجّحا ، فلا يرجع إلى الأصل المطابق لإحداهما إلاّ فيما لم يكن هناك أحدهما. وكذا الحكم فيما إذا وقع التّعارض بين الأخبار وغيرها على القول المذكور ؛ ضرورة عدم جواز الرّجوع إلى الأصل العملي مع وجود الدّليل في المسألة ولو كانا متوافقين.
الثّالث : أنّا قد أشرنا في أوّل المسألة عند التّكلّم في بيان حقيقة التّعارض : إلى أنّه لا يقع التّعارض غالبا بين الأصول فيما حكموا بوقوع التّعارض بينها ، وإذا فرض وقوعه بينها في مورد فلا معنى للحكم بالتّرجيح أو التّخيير بينها ، بل لا بدّ من الرّجوع إلى أصل ليس في مرتبة المتعارضين ؛ لما أسمعناك : من كونهما على خلاف الأصول ، وإن قلنا بكون الأصل التّرجيح فيما قام هناك دليل على حجّيّة المتعارضين في الجملة مع إهماله ، فإذا وقع التّعارض بين الاستصحابين في الماء النّجس المتمّم كرّا بطاهر فيحكم بالرّجوع إلى أصالة طهارة الماء.