وكان الطوسي من بحور العلم ، متوقّد الذكاء ، عالي الهمّة ، واسع الرواية ، كثير التصنيف ، ازدحم عليه العلماء والفضلاء ، وحصل له من التلامذة ما لا يحصى كثرة.
قال فيه العلاّمة الحلي ( المتوفى ٧٢٦ ه ) : شيخ الإمامية ووجههم ورئيس الطائفة ، جليل القدر عظيم المنزلة ، ثقة ، صدوق ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب ، وجميع الفضائل تنسب إليه ، صنّف في كلّ فنون الإسلام ، وهو المهذّب للعقائد في الأصول والفروع.
وقال الشيخ محمد أبو زهرة المصري ( أحد كبار علماء السنة ) : كان شيخ الطائفة في عصره غير منازع وكتبه موسوعات فقهية وعلمية ، وكان مع علمه بفقه الإمامية ، وكونه أكبر رواته على علم بفقه السنّة ، وله في هذا دراسات مقارنة ، وكان عالما في الأصول على المنهاجين الإمامي والسنّي.
وقال : لا بدّ أن نذكر تقديرنا العلمي لذلك العالم العظيم ، ولا يحول بيننا وبين تقديره نزعته الطائفية أو المذهبية ، فإنّ العالم يقدّر لمزاياه العلمية لا لآرائه ونحلته (١).
أقول : شتان بين قول ( أبو زهرة ) هذا في الطوسي وبين قول الذهبي فيه ـ والذي أساء به إلى نفسه : ـ كان يعدّ من الأذكياء ، لا الأزكياء (٢) ( وكل إناء بالذي فيه ينضح ).
وكان الشيخ الطوسي ـ كما أسلفنا ـ مقيما ببغداد ، وكانت داره منتجعا لروّاد
__________________
(١) الإمام الصادق.
(٢) سير أعلام النبلاء : ١٨ / ٣٣٥.