وهذا عدول عن سنة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيرة المتقدمين عليه ، وأصل الخروج عن العدول في القسمة وإن كان من بدع عمر إلا أن عثمان ترك العدل رأسا بحيث لم يخف بطلانه وتضمنه للجور العظيم والبدعة الفاحشة على العوام أيضا ، ولما اعتاد الرؤساء في أيامه بالتوثب على الأموال واقتناء الذخائر ونسوا سنة الرسول في التسوية بين الوضيع والشريف شق عليهم سيرة أمير المؤمنين عليهالسلام فعدلوا عن طاعته ومال طائفة منهم إلى معاوية وخرج عليه طلحة والزبير فقامت فتنة الجمل وغيرها ، فهذه البدعة مع قطع النظر عن خطر التصرف في أموال المسلمين كانت من مواد الشرور والفتن الحادثة بعدها إلى يوم النشور.
__________________
أنه أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه في فتح إفريقية بالمغرب وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين!.
وأورد البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٤٩ ـ ٥١ ، وابن كثير في تاريخه ٧ ـ ١٥٧ وغيرهما : أنه بعث عثمان إلى ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبجمل عليه كسوة ، فأمر فوضع في المسجد وقال : يا معشر المسلمين! ألا تردن إلى عثمان يخادعني عن ديني ويرشوني عليه. كما وقد ذكره شيخنا الأميني في غديره ٩ ـ ١٤٤ ، وأدرج لنا في ٨ ـ ٢٨٦ منه قائمة بجملة من هباته مع مصادرها ، نذكرها درجا :فقد أعطى لمروان ٥٠٠٠٠٠ دينار ذهب ، و ١٠٠٠٠٠ درهم فضة ، ولابن أبي سرح ١٠٠٠٠٠ دينار ، ولطلحة ضعفه مع ثلاثين مليون درهم مرة ، ومليونين ومائتين ألف درهم فضة ، ولعبد الرحمن ٢٥٦٠٠٠٠ دينار ، وليعلى بن أمية نصف مليون دينار ، ولزيد بن ثابت مائة ألف دينار .. وهكذا دواليك للحكم وآل الحكم والحارث وسعيد والوليد وعبد الله وأبي سفيان والزبير وابن أبي الوقاص وغيرهم من حزبه وأعوانه يطول علينا درجها فضلا من إحصائها.
ولنختم بحثنا هذا بكلام مولى الموحدين وسيد الأوصياء سلام الله عليه الذي جاء في شقشقته وعلى مسمع ومرأى من القوم حيث يقول في عثمان : ... قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه [ أمية ] يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته. وقد مر كلامه عليهالسلام بتمامه مع مصادره.
ومن هنا يعرف مغزى ما قاله صلوات الله عليه في اليوم الثاني من بيعته : ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال ، فإن الحق القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرق في البلدان لرددته إلى حاله.
قد نقله ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١ ـ ٢٦٩ [ ١ ـ ٩٠ ] عن الكلبي ، وانظر : نهج البلاغة ـ لصبحي الصالح ١ ـ ٥٧ ، ومحمد عبده ١ ـ ٤٦ ، وغيرهما.