ليست من الأموال المباحة التي يجوز لكل أحد التصرف (١) فيها كيف شاء ، بل هي من حقوق المسلمين يجب صرفه إليهم على الوجه الذي دلت عليه الشريعة المقدسة ، فالتصرف فيها محظور إلا على الوجه الذي قام عليه دليل شرعي ، وتفضيل طائفة في القسمة وإعطاؤها أكثر مما جرت السنة عليه لا يمكن إلا بمنع من استحق بالشرع حقه ، وهو غصب لمال الغير وصرف له في غير أهله ، وقد جرت السنة النبوية بالاتفاق على القسم بالتسوية.
وأول من فضل قوما في العطاء هو عمر بن الخطاب كما اعترف به ابن أبي الحديد (٢) وغيره (٣) من علمائهم.
قال ابن أبي الحديد (٤) : روى أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : استشار عمر الصحابة بمن يبدأ في القسم والفريضة؟ ، فقالوا : ابدأ بنفسك. فقال : بل أبدأ بآل رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وذوي قرابته ، فبدأ بالعباس. قال ابن الجوزي : وقد وقع الاتفاق على أنه
__________________
الطبري في تاريخه ٥ ـ ٢٢ ، وابن الأثير في الكامل ٣ ـ ٢٩ ، وغيرهما كثير.
(١) في ( ك ) : التصريف.
(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢١٣.
(٣) كابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ ـ ٢٨٢ وغيره ، وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل :١١٤ : أن عمر جعل لعائشة اثني عشر ألفا في كل سنة ، وكتب أزواج النبي في عشرة آلاف لكل واحدة ، وكتب بعد أزواج النبي عليا عليهالسلام في خمسة آلاف و [ من ] شهد بدرا من بني هاشم ، وكتب عثمان في خمسة آلاف ، ومن شهد بدرا من موالي بني أمية على سواء ، ثم قال بمن نبدأ؟. قالوا : بنفسك!. قال : بل نبدأ بآل أبي بكر ، فكتب طلحة في خمسة آلاف ، وبلالا في مثلها ، ثم كتب لنفسه ومن شهد بدرا من بطون قريش خمسة آلاف .. خمسة آلاف ، ثم كتب الأنصار في أربعة آلاف. فقالوا : قصرت بنا على إخواننا؟!. قال : أجعل الذين قال الله لهم : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) ـ مثل من أتته الهجرة في داره؟!. قالوا : رضينا. ثم كتب لمن شهد فتح مكة في ألفين .. إلى آخره.
(٤) في شرحه على النهج ١٢ ـ ٢١٤ ـ ٢١٥ بتصرف.