ثم قال (١) : إن طلحة والزبير قد نقما عليه (٢) الاستبداد وترك المشاورة ، وانتقلا من ذلك إلى الوقيعة فيه بمساواة الناس في قسمة المال ، وأثنيا على عمر وحمدا سيرته وصوبا رأيه ، وقالا : إنه كان يفضل أهل السوابق .. وضللا عليا فيما رأى ، وقالا : إنه أخطأ .. وإنه خالف سيرة عمر وهي السيرة المحمودة .. (٣) ، واستنجدا عليه بالرؤساء من المسلمين الذين (٤) كان عمر يفضلهم وينفلهم في القسم على غيرهم ، والناس أبناء الدنيا ، ويحبون ( الْمالَ حُبًّا جَمًّا ) ، فتنكرت على أمير المؤمنين عليهالسلام بتنكرهما قلوب كثيرة ، ونغلت (٥) عليه نيات كانت من قلب (٦) سليمة. انتهى.
وبالجملة ، من راجع السير والأخبار لم يبق له ريب في أن سيرة أمير المؤمنين عليهالسلام في القسمة هو العدل تأسيا برسول الله صلى الله عليه [ وآله ] واتباعا لكتابه ، وقد احتج عليهالسلام على المصوبين لسيرة عمر في تركه العدل بأن التفضيل مخالف للسنة ، فلم يقدر أحد على رده ، وصرح عليهالسلام أن التفضيل جور وبذل المال في غير حقه تبذير وإسراف كما سيأتي.
وروى ابن أبي الحديد (٧) ، عن هارون بن سعد (٨) ، قال : قال عبد الله بن جعفر (٩) لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين! لو أمرت لي بمعونة أو نفقة! ، فو الله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي. فقال : لا والله ، ما أجد لك شيئا إلا أن تأمر عمك
__________________
(١) قال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١١ ـ ١١.
(٢) جاءت العبارة في المصدر هكذا : وتنقما عليه. أقول : مرجع الضمير : طلحة والزبير.
(٣) هنا سقط جاء في الشرح.
(٤) لا توجد : الذين ، في المصدر.
(٥) في ( س ) : نقلت. وجاء في حاشية ( ك ) : نفلت نياتهم أي فسدت صحاح. انظر : الصحاح ٥ ـ ١٨٣٢.
(٦) خ. ل : كان من قبل. وفي المصدر : كانت من قبل ، وهو الأنسب.
(٧) في شرح النهج ٢ ـ ٢٠٠.
(٨) في ( س ) : مبعد ، وفي المصدر : سعيد.
(٩) زيادة : ابن أبي طالب ، جاءت في الشرح.