ثم قالت أم سلمة يا عائشة أنا أخرج على علي بعد الذي سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت يا ابن الزبير أبلغهما أني لست بخارجة من بعد الذي سمعت من أم سلمة فرجع فبلغهما قال فما انتصف الليل حتى سمعت رغاء إبلهما ترتحل فارتحلت معهما
وروي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : دخلت أم سلمة بنت أبي أمية على عائشة ـ لما أزمعت الخروج إلى البصرة فحمدت الله وصلت على النبي صلىاللهعليهوآله ثم قالت يا هذه إنك سدة بين رسول الله وبين أمته وحجابه عليك مضروب وعلى حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه (١) وضم ظفرك فلا تنشريه وشد عقيرتك فلا تصحريها (٢) إن الله من وراء هذه الأمة وقد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل بل نهى عن الفرطة في البلاد (٣) إن عمود الدين لن يثاب بالنساء إن مال (٤) ولا يرأب بهن إن انصدع (٥) جمال النساء غض الأطراف وضم الذيول والأعطاف وما كنت قائلة لو أن رسول الله صلىاللهعليهوآله عارضك في بعض هذه الفلوات وأنت ناصة قعودا من منهل إلى منهل ومنزل إلى منزل ولغير الله مهواك وعلى رسول الله تردين ـ وقد هتكت عنك سجافه ونكثت عهده وبالله أحلف أن لو سرت مسيرك ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت من رسول الله أن ألقاه هاتكة حجابا ضربه علي فاتقي الله واجعليه حصنا [ و ] وقاعة الستر منزلا حتى تلقيه إن أطوع ما تكونين لربك ما قصرت عنه وأنصح ما تكونين لله ما لزمته وأنصر ما تكونين للدين ما قعدت عنه وبالله أحلف لو حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة (٦).
فقالت لها عائشة ما أعرفني بموعظتك وأقبلني نصحك ليس مسيري على ما تظنين ما أنا بالمغترة ولنعم المطلع تطلعت فيه فرقت بين فئتين متشاجرتين فإن أقعد ففي غير حرج وإن أخرج ففي ما لا غنى بي عنه من الازدياد في الأجرة.
قال الصادق عليهالسلام فلما كان من ندمها أخذت أم سلمة تقول :
لو كان معتصما من زلة أحد |
|
كانت لعائشة الرتبى على الناس |
من زوجة لرسول الله فاضلة |
|
وذكر آي من القرآن مدراس |
وحكمة لم تكن إلا لهاجسها |
|
في الصدر يذهب عنها كل وسواس |
يستنزع الله من قوم عقولهم |
|
حتى يمر الذي يقضي على الراس |
ويرحم الله أم المؤمنين لقد |
|
تبدلت لي إيحاشا بإيناس |
__________________
(١) أي : لا توسعيه وتنشريه.
(٢) العقيرة : الصوت. وصحر الحمار : نهق.
(٣) الفرطة ـ بالضم ـ : الخروج والتقدم يقال : ( فلان ذو فرطة في البلاد ) أي : أسفار كثيرة.
(٤) ثاب : رجع بعد ذهابه.
(٥) رأب الصدع : أصلحه.
(٦) الرقشاء من الحيات : المنقطة بسواد وبياض. وفي المثل « نهشني نهش الرقشاء المطرق ».