وآمرك أن تستعمل التقية في دينك فإن الله عز وجل يقول : ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) (١) وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا إن لجأك الخوف إليه وفي إظهار البراءة منا إن حملك الوجل عليه وفي ترك الصلوات المكتوبات إن خشيت على حشاشتك (٢) الآفات والعاهات فإن تفضيلك أعداءنا علينا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا وإن إظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا ولئن تبرأت منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها ومالها الذي به قيامها وجاهها الذي به تماسكها وتصون من عرف بذلك وعرفت به من أوليائنا وإخواننا من بعد ذلك بشهور وسنين ـ إلى أن يفرج الله تلك الكربة وتزول به تلك الغمة فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك وتنقطع به عن عمل الدين وصلاح إخوانك المؤمنين وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودم إخوانك معرض لنعمتك ونعمهم على الزوال مذل لك ولهم في أيدي أعداء دين الله وقد أمرك الله بإعزازهم فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك وإخوانك أشد من ضرر المناصب لنا الكافر بنا
وعن سعيد بن جبير (٣) قال : استقبل أمير المؤمنين عليهالسلام دهقان من دهاقين الفرس فقال له بعد التهنية :
يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات وتناحست السعود بالنحوس وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء ويومك هذا صعب قد اتصلت فيه كوكبان وانقدح من برجك النيران وليس لك الحرب بمكان فقال أمير المؤمنين عليهالسلام ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار والمحذر من الأقدار؟ ما قصة صاحب الميزان؟ وقصة صاحب السرطان؟ وكم المطالع من الأسد؟ والساعات في
__________________
(١) آل عمران ـ ٢٨.
(٢) الحشاشة : بقية الروح في المريض.
(٣) سعيد بن جبير ـ بالجيم المضمومة ـ بن هشام الأسدي الوالبي مولى بني والبة أصله الكوفة نزل مكة تابعي.
عده الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام زين العابدين (عليهالسلام) والعلامة في القسم الأول من خلاصته ، روي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال : إن سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين (عليهالسلام) وكان علي عليهالسلام يثني عليه ، وما كان سبب قتل الحجاج له الا على هذا الأمر وكان مستقيما ، وذكر أنه لما دخل على الحجاج بن يوسف قال له : أنت شقي بن كسير قال : امي كانت أعرف باسمي سمتني « سعيد بن جبير ». قال : ما تقول في أبي بكر وعمر هما في الجنة أو النار؟ قال : لو دخلت الجنة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها ، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها ، قال : فما قولك في الخلفاء؟ قال : لست عليهم بوكيل ، قال : أيهم أحب إليك؟ قال : أرضاهم لخالقي ؛ قال : فأيهم أرضى للخالق قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم ، قال : أبيت أن تصدقني قال : بل لم أحب أن اكذبك.
وكان ثقة مشهورا بالفقه ، والزهد والعبادة وعلم التفسير وكان أخذ العلم عن ابن عباس ، وكان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول : أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ يعني : سعيد بن جبير ، وكان يسمى جهبذ العلماء ( بالكسر ـ أي النقاد الخبير ) وكان يقرأ القرآن في ركعتين ، قيل : وما من أحد على الأرض إلا وهو محتاج إلى علمه. قتله الحجاج سنة « ٩٥ » وهو ابن « ٤٩ » سنة ولم يبق بعده الحجاج الا « ١٥ » ليلة ، ولم يقتل أحدا بعده لدعائه عليه حين قتله : « اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي ».
رجال الطوسي ص ٩٠ العلامة ص ٧٩ الكشي ص ١١٠ تهذيب التهذيب ج ٤ ص ١١ سفينة البحار ج ١ ص ٦٢١.