وروي عن علي بن الجهم أنه قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليهالسلام ـ فقال له المأمون :
يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ (١) قال بلى.
قال فما معنى قول الله عز وجل : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) (٢).
فقال إن الله تبارك وتعالى قال لآدم عليهالسلام ( اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٣) ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وإنما أكلا من غيرها إذ وسوس الشيطان إليهما وقال ( ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ ) (٤) وإنما نهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الأكل منها : ( إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ) (٥) ( وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) (٦) ـ ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا ، ( فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ ) (٧) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق دخول النار وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله تعالى ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى ) وقال عز وجل ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) (٨).
قال المصنف ره ـ لعل الرضا صلوات الله عليها أراد بالصغائر الموهوبة ترك المندوب وارتكاب المكروه من الفعل دون الفعل القبيح الصغير بالإضافة إلى ما هو أعظم منه لاقتضاء أدلة العقول والأثر المنقول لذلك ورجعنا إلى سياق الحديث :
ثم قال المأمون فما معنى قول الله عز وجل : ( فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما ) (٩).
فقال الرضا عليهالسلام إن حواء ولدت خمسمائة بطن في كل بطن ذكر وأنثى وإن آدم وحواء عاهدا الله ودعواه قالا ( لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) (١٠) فلما آتاهما صالحين [ صالحا ] من النسل خلقا سويا بريئا من الزمانة والعاهة كان ما آتاهما صنفين صنفا ذكرانا وصنفا إناثا فجعل الصنفان لله تعالى ( شُرَكاءَ فِيما آتاهُما ) ولم يشكراه شكر أبويهما له عز وجل قال الله تعالى ( فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (١١).
فقال المأمون أشهد أنك ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله حقا فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم
__________________
(١) عقيدتنا في النبي والامام عليهماالسلام ، أن يكونا معصومين بمعنى : أننا ننزه النبي والامام عليهماالسلام عن كبائر الذنوب وصغائرها ، وعن الخطأ والنسيان بل عما ينافي المروءة وعن كل عمل يستهجن عرفا منذ الولادة وإلى الوفاة وفي كل الأحوال والظروف.
ولو انتفت عنه العصمة : لاحتملنا الخطأ والنسيان والمعصية في كل عمل او قول يصدران عنه وحينئذ لا تكون أقواله ولا أفعاله حجة علينا ، ولا نكون ملزمين باتباعها. وفي ذلك انتفاض الغرض. وقد أجمع الإمامية على القول بالعصمة. وما يتوهم خلاف ذلك من بعض الأخبار والأدعية فهي مأولة.
(٢) طه ـ ١٢١.
(٣) البقرة ـ ٣٥.
(٤ ـ ٥) الأعراف ـ ٢٠.
(٦ ـ ٧) الأعراف ـ ٢١ ، ٢٢.
(٨) آل عمران ـ ٣٣.
(٩ ـ ١٠) الأعراف ـ ١٨٩ ، ١٨٨.
(١١) الأعراف ـ ١٨٩.