بألفاظها في ذلك الموقف الرهيب على ما فيه من تداعيات القلق ، وحفظه لها بنصها وفصّها ـ كما يقولون ـ لتبرز لنا احدى معالم النبوغ عنده ، وتظهر احدى ملامح العبقرية الفذة النادرة الّتي كان يمتاز بها.
فهذه احدى مفردات مواقفه الحربية في صفين مضافاً لما قدّمنا ذكره من شواهد على مركزه القيادي ومنازلته الحربية.
والآن إلى لون آخر من تلك المواقف الّتي تتجلّى من خلالها رهبة العدوّ منه ، فجهد محاولاً خداعه. وإليك :
قبل ذكر الحديث لابدّ من توثيقه لأنّ هشام بن عمّار الدمشقي كان يقول للبلاذري وهو من شيوخه : « هذا الحديث ممّا صنعه ابن دأبكم لأنّ البلاذري رواه عن المدائني عن عيسى بن يزيد » (١) ـ وهو ابن دأب ـ وإذا رجعنا إلى الجاحظ وجدناه يقول : « يزيد بن بكر بن دأب وكان عالماً ناسباً وراوية شاعراً وهو القائل :
الله يعلم في عليّ علمه |
|
وكذاك علم الله في عثمان |
ثمّ قال : وولد يزيد بن يحيى وعيسى ، فعيسى هو الّذي يعرف في العامة بابن دأب ، وكان من أحسن الناس حديثاً وبياناً ، وكان شاعراً راوية ، وكان صاحب رسائل وخطب ، وكان يجيدهما جداً.
ومن آل دأب حذيفة بن دأب وكان عالماً ناسباً. وفي الدأب علم بالنسب والخبر » (٢).
____________
(١) أنساب الأشراف ٢ / ٣١٠ تح ـ المحمودي.
(٢) كتاب البيان والتبيين ١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤ تح ـ هارون.