وقد جعله أبو حامد الغزالي في كتاب كشف علوم الآخرة من أوائل من يعطي الله اجورهم ، لأنّهم فقدوا أبصارهم في الدنيا وحكى ذلك عنه القرطبي (١). وما أدري كيف استساغ القرطبي حكاية ذلك وهو من الغيب الّذي لم يأت فيه حديث من معصوم.
والآن وقد شارفنا على الإنتهاء من القسم الأوّل من الفصل الأوّل فيما يتعلق بتاريخ ابن عباس حبر الأمة (رحمه الله) في فترة خلافة الإمام (عليه السلام) ، أرى لزاماً عليَّ أن أذكر بعض الروايات الّتي تزيّد فيها الرواة ، فألحق بها من الهناة والقذاة ، ما شوّه صفحة ابن عباس ببعض السيئات.
لقد وردت بعض الروايات الّتي لم تسلم سنداً حتى تستحق الوقوف عندها كثيراً ، تدين ابن عباس في إعلانه مخالفته لإمامه في أحكام فقهية ، أو إجراءات قضائية ، أو آراء سياسية ، فكيف يمكن تصديق الرواة في ذلك ، وهو الّذي كان يقول : « إذا حدّثنا الثقة بفتيا عن عليّ لم نتجاوزها » (٢) وفي لفظ : « إذا حدّثنا ثقة عن عليّ بفتيا لا نعدوها » (٣) ، ثمّ هو القائل لخارجي سأله عن الإمام فأجابه حتى قال له : « أعليّ أعلم عندك أم أنا؟ فقال : لو كان عليّ أعلم عندي منك لما سألتك فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثمّ قال : ثكلتك أمك ، عليّ علّمني ، وكان علمه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ورسول الله علّمه الله من فوق عرشه ، فعلم النبيّ من الله ،
____________
(١) التذكرة / ٢٧٣ ط دار المنار سنة ١٤١٨.
(٢) طبقات ابن سعد ٢ق٢ / ١٠٠ ط ليدن ، والاستيعاب ٣ / ٣٩.
(٣) سير أعلام النبلاء للذهبي ٢ / ٦٢٨ ط دار الفكر ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي / ١٧١.