قال اليعقوبي : « وكان معاوية يدسّ إلى معسكر الحسن من يتحدّث أنّ قيس ابن سعد قد صالح معاوية وصار معه ، ووجّه إلى عسكر قيس من يتحدّث أنّ الحسن قد صالح معاوية وأجابه ، ووجّه معاوية إلى الحسن المغيرة بن شعبة وعبد الله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن بن اُم الحكم وأتوه وهو بالمدائن نازل مضاربه ثمّ خرجوا من عنده وهم يقولون ويُسمعون الناس : إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكّن به الفتنة وأجاب إلى الصلح. فأضطرب العسكر ولم يشكك الناس في صدقهم ، فوثبوا بالحسن وانتهبوا مضاربه وما فيها ، فركب الحسن (عليه السلام) فرساً له ومضى في مظلم ساباط وقد كمن له الجراح بن سنان الأسدي فجرحه بمغول في فخذه ، وقبض على لحية الجراح ثمّ لواها فدقّ عنقه ، وحُمل الحسن (عليه السلام) إلى المدائن وقد نزف نزفاً شديداً ، واشتدت به العلة فافترق عنه الناس ، وقدم معاوية العراق فغلب على الأمر والحسن عليل شديد العلة. فلمّا رأى الحسن أن لا قوة به وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له ، صالح معاوية وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : (أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا وقد سالمت معاوية ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (١) » (٢).
لقد كانت وثيقة الصلح الّتي أمضاها معاوية وأشهد عليها ، قد نصت صراحة على إرجاع الأمر من بعده إلى الإمام الحسن (عليه السلام). ، وجاء في جملة من المصادر : « وليس لمعاوية أن يعهد بالأمر إلى أحد من بعده ، والأمر بعده
____________
(١) الأنبياء / ١١١.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩١ ط الحيدرية.