أقول : وهذا كلام لا يخلو من تجنّ على ابن عباس ، وقد بيّنت فيما مرّ الجواب على ذلك فراجع.
والآن إلى حديث مفارقة الخريّت في بني ناجية :
روى الطبري بسنده عن أبي مخنف عن الحارث الأزدي عن عمه عبد الله ابن مُقَيم قال : « جاء الخريّت بن راشد إلى عليّ ـ وكان مع الخريّت ثلثمائة رجل من بني ناجية مقيمين مع عليّ بالكوفة ، قدموا معه من البصرة ، وكانوا قد خرجوا إليه يوم الجمل ، وشهدوا معه صفين والنهروان ـ فجاء إلى عليّ في ثلاثين راكباً من أصحابه يسير بينهم حتى قام بين يدي عليّ فقال له : والله لا أطيع أمرك ، ولا أصلّي خلفك ، وإنّي غداً لمفارقك ـ وذلك بعد تحكيم الحكمين ـ.
فقال له عليّ : ثكلتك أمك إذا تعصي ربّك ، وتنكث عهدك ، ولا تضرّ إلاّ نفسك ، خبّرني لم تفعل ذلك؟.
قال : لأنّك حكّمت في الكتاب ، وضعفت عن الحقّ إذ جدّ الجدّ ، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم ، فأنا عليك زارٍ ، وعليهم ناقم ، ولكم جميعاً مباين. فقال له عليّ : هلمّ أدارسك الكتاب ، وأناظرك في السنن ، وأفاتحك أموراً من الحقّ أنا أعلم بها منك ، فلعلك تعرف ما أنت له الآن منكر ، وتستبصر ما أنت عليه الآن جاهل.
قال : فإنّي عائد اليك.
قال : لا يستهويّنك الشيطان ، ولا يستخفنّك الجهل ، ووالله لئن استرشدتني واستنصحتني وقبلتَ مني لأهدينّك سبيل الرشاد.