قلق الضمائر الخفيّ ، فمنهم الراغب الطامع في المال والجاه على استحياء وبدون استحياء ، وبينهم الراهب المستخفى بكراهيته لو يتاح له إعلان الخلاف ، فهو خاضع رَهَبا ليس من الرضا وراحة الضمير بحيث يحبّ ، وقليل ما هم المناصحون له في السر والعلن. فهكذا حياة يصعب تأريخها مستوفىً لكل شاردة وواردة.
إذن لابدّ من جمع الشذرات المتناثرة ، واللمحات الإجتماعية المتباعدة لتكون نواة دراسة قريبة من التكامل تكفي لإعطاء صورة عن حياة ذلك الأمير في ولاية ذلك البلد المترامي الأطراف سعة على اختلاف طبائع أهله من حيث التركيبة السكانية ، وهذا هو النهج الّذي سوف أسير عليه لتأريخ تلك الفترة المليئة بالمفاجآت والمفارقات.
وذلك هو السبيل لمعرفة الحياة العملية الّتي عاشها ابن عباس ، ويتمّ من خلال عرض نماذج من جوانب حياته : النشاط الإداري والسياسي ، والتوجيه العلمي والديني ، والسلوك الشخصي.
لقد تولّى مهامّ الولاية العامة بعد مغادرة الإمام إلى الكوفة ، فواجهته الانقسامات الفكرية من مخلّفات الحرب فثمة طبقة القرّاء ، وهؤلاء أقرب إلى العثمانية ، وبعدُ فهم من أصحاب أبي موسى الأشعري يوم كان والياً بالبصرة من أيام عمر حتى عزله عثمان. ويمكن أن نعدّهم نواة للخوارج الذين خرجوا على طاعة الإمام في صفين.