قال أبو جعفر : ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال عليّ ، وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة ، وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ثمّ نادوا : يا معشر العرب الله الله في نسائكم وبناتكم ، فمن للروم والأتراك وأهل فارس غداً إذا فنيتم. الله الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم ، فقال عليّ : اللّهمّ إنّك تعلم أنّهم ما الكتاب يريدون ، فاحكم بيننا وبينهم إنك أنت الحكيم الحقّ المبين.
فاختلف أصحاب عليّ في الرأي فطائفة قالت القتال ، وطائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم الكتاب ، فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها. فقال محمّد بن عليّ : فعند ذلك حُكّم الحكمان » (١).
قال في كتابه الفتنة الكبرى : « وأكاد أعتقد أن مكيدة عمرو بن العاص تلك الّتي كادها برفع المصاحف لم تكن من عند نفسه ، لا لأنّه قلّد فيها عليّاً فحسب ، بل لشيء آخر سنراه قريباً ، فقد ينبغي أن نذكر أنّ عليّاً إنّما رفع المصاحف بين الصّفين في حرب البصرة قبل أن ينشب القتال ، يريد أن يُعذر إلى خصمه ، وقد ينبغي أن نذكر أيضاً أنّ مكان طلحة والزبير وأم المؤمنين من النبيّ ، كان يدعوه إلى أن يحتاط ويتأنّى ، ويذكّرهم بالقرآن وما فيه ، ولا يقاتلهم حتى يستيئس من إستجابتهم إلى ما دعاهم إليه ، فلمّا رشق أهل البصرة ذلك الفتى الّذي أمره عليّ فرفع المصحف بين الصفّين بالنبل حتى قتلوه ، قال عليّ : الآن طاب الضراب.
____________
(١) وقعة صفين / ٥٤٦.