ثمّ رمى معاوية بالسهم في عسكر عليّ (عليه السلام) فوقع في يدي رجل من أهل الكوفة فقرأه ثمّ أقرأه صاحبه ، فلمّا قرأه وأقرأه الناس ... فلم يزل حتى رفع إلى أمير المؤمنين. فقال : ويحكم إنّ الّذي يعالج معاوية لا يستقيم له ولا يقوى عليه ، وإنّما يريد أن يزيلكم عن مكانكم ، فالهوا عن ذلك ودَعَوه ».
ثمّ ذكر نصر عدم طاعتهم وخلافهم ونجاح معاوية بمكره حتى اضطروا إلى القتال مرة ثانية على الماء ، فاسترجعوا الشريعة وأرادوا منع الماء على معاوية وجنده ، فمنعهم الإمام وقال : « أيّها الناس انّ الخطب أعظم من منع الماء ... » (١).
والآن فلنقرأ :
لقد مرّ بنا قول المؤرخين : إنّ الإمام لم يبرح النخيلة حتى وافاه ابن عباس. ومرّ بنا قولهم : إنّه أتاه من البصرة ومعه أجناده ورؤوس الأخماس. وفارقناه منذ النخيلة وحتى صفين فلم نقف له على ذكر في تلك المنازل الّتي قطعها مع الإمام ، ولمّا كان هو مع الإمام لم يفارقه في حلّه وترحاله ، ولم يزل معه من بدء الحرب وحتى نهايتها المحزنة بخدعة التحكيم ، ثمّ لم يفارقه حتى عاد معه إلى الكوفة ، فلا شك أنّه كانت له في خلال تلك المدة الّتي استدامت شهوراً طويلة مواقف كثيرة ، وإذا كنا لا نحصيها عدداً ، لأنّا لم نحط بتفاصيلها خبراً ، لكن ما ظهر منها أثرى الموضوع دلالة وأصالة ، حيث وجدناه رأساً منظوراً في موقفه القيادي ، وقائداً عسكرياً في قتاله الميداني ، ومناوراً بارعاً صلباً مع المخادعين ، وخطيباً بليغاً في تعبئة أجناده.
____________
(١) وقعة صفين / ٢١٣.