وقد ذكر ذلك قبل ابن خلدون أبو نعيم (١).
وحسبنا الآن بما مرّ معرفة جانباً من نشاطه الإداري والسياسي ، وسيتبع هذا نماذج أخرى فيما يأتي عند الحديث عن حرب صفين وما تلاها ، وفتنة ابن الحضرمي وما أبلاها ، وخروج الخريت بن راشد ثمّ فتنة مصقلة بن هبيرة ، وحرب النهروان ، وما أتى بعدها حتى استشهاد الإمام (عليه السلام) وبعده حتى صلح الإمام الحسن (عليه السلام).
لقد سبق ابن عباس في ولايته البصرة مَن تقدمه من الولاة في تثقيف أهلها سبقاً بعيداً ، فإنّ الذين كانوا قبله وتعاقبوا على الولاية تفاوتت مداركهم لاستيعاب أحكام الإسلام ، كما تباينت مسالكهم في إدارة البلاد ، ولم يواجهوا ما واجهه ابن عباس من مشاكل اجتماعية أبعدت ، وبالاصح شغلت الكثير من الناس عن تعلمهم الأحكام الشرعية ، مضافاً إلى مخلّفات حرب الجمل الفكرية ، حيث نشأت مسائل لم يكن المجتمع الإسلامي على هدى منها ، ومنها مسألة قتال المسلمين بعضهم بعضاً وهم جميعاً من أهل القبلة ، ولمّا كان قتل المسلم من الكبائر فهل أنّ مرتكب الكبيرة يُعدّ كافراً أم يظل مسلماً؟ وهذا سؤال ضخم واجه العالم الإسلامي فأنبت الفكرة الّتي صارت ركيزة لما بنت عليها المعتزلة من رأي تجاذبته أصحاب الفرق الكلامية بين الدين والسياسة ، والأخذ والردّ.
____________
(١) كما في ذكر أخبار اصبهان ٢ / ٢٢٩ ط افست / ليدن.