وبين يديه الناس بأيديهم كافر كوبات ، فقلت : قبح الله ذا من عالم ، فانصرفت فلم أسمع منه » (١). وقد مرّ بنا في مقدمة الجزء الأوّل نماذج من أكاذيبه.
قبيل المغادرة :
لا شك عندي ان ابن عباس كان في آخر أيام ولايته على البصرة يعاني آلام المرارة الّتي سبّبها تدني الأمور وتلاحق الأحداث ، وأوجعها في نفسه تولي معاوية أمور المسلمين ، ولكنه ما دام تابعاً في ولايته لإمامه الحسن (عليه السلام) فلا بدّ له من التسليم وعليه الرضا بما جرى به قلم القضا ، وإنّي لم أجد خبراً واحداً يدل على وهن في عزيمته أو خلل في ولايته ، بالرغم من عثمانية البصرة ودسائس معاوية ، فهو لم ينحني للعاصفة مع أنّه من خلال موقعه كان في مهبّها ، فلم تزعزعه العواصف ، ولم تهن من عزيمته ونشاطه الأحداث القواصف ، بل وكأنّها زادته في شعوره شموخاً ورفعة ، وفي عزيمته صموداً وصبراً. ولعل في خبر وفادة أبي أيوب الأنصاري عليه في تلك الفترة ما يعطينا ملامح من ذلك الشعور.
فلنقرأ الخبر أوّلاً كما رواه الطبراني في المعجم بسنده قال : « أنّ أبا أيوب ابن زيد الأنصاري ـ الّذي كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم نزل عليه حين هاجر إلى المدينة ـ غزا أرض الروم ، فمرّ على معاوية فجفاه ، فانطلق ثمّ رجع من غزوته ، فمرّ عليه فجفاه ، ولم يرفع به رأساً فقال : إن رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أنبأني أنا سنرى بعده إثرة ، فقال معاوية : فبم أمركم؟ قال : أمرنا
____________
(١) فهارس الثقاة لابن حيان / ١٢٢ ط مؤسسة الكتب الثقافية عن كتاب الثقات ٨ / ٥ و ٥ / ٥ ط دار الكتب العلمية.