استقبل ابن عباس عهد الخلافة الجديدة بإيمانه الراسخ بأحقيتها الشرعية ، فعليه أن يستلهم بعبقريته ما يستوحيه منها فيما يجب عليه القيام به أزاء الخلافة الجديدة ، وما يلزمه من العمل في سبيل إرساء دعائمها ، فهو في سنّه الّذي تجاوز بداية الكهولة حتى كان هو أكبر الهاشميين الّذين معه في الكوفة سنّاً ، وهو في علمه أوسعهم ـ بعد الحسنين ـ علماً وفهماً ، وهو في تجاربه أيضاً أكثر تجربة ، فمن جميع ذلك له رصيدٌ يؤهله أن يكون هو صاحب الرأي والكلمة في تلك الساعة.
وهكذا كان ، فقد قال الرواة : لمّا توفي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وجهزه أولاده وآله ومنهم ابن عباس ، حتى رووا أنّه شارك الحسنين في تغسيله كما في رواية أبي مخنف عند أبي الفرج في المقاتل (١) ، ورواية الهاروني في تيسير المطالب عن الأسود الكندي والأجلح قالا في حديثهما : « وولي غسله ابنه الحسن بن عليّ (عليه السلام) وعبد الله بن العباس » (٢).
وقال الرواة : حمله بنوه وآله إلى مثواه الأخير حيث أمرهم بدفنه فيه في النجف ـ الغري ـ وذلك في جوف الليل الغابر (٣) ، وعادوا إلى الكوفة قبل أن ينبلج عمود الصبح ، فدخلوا دار الإمام ، وما من شك أنّهم تداولوا الحديث حول مواجهة الموقف مع الناس الّذين يترقبون ما يأتيهم من وراء رتاج الباب ، ولابدّ
____________
(١) مقاتل الطالبين / ٤١ تح ـ السيّد أحمد صقر ط مصر سنة ١٣٦٨ هـ.
(٢) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب الهاروني المتوفى سنة ٤٥٤ / ٨٥ ط بيروت سنة ١٣٩.
(٣) أنظر الفتوح لابن أعثم ٤ / ١٤٥ ط حيدر آباد.