قال صاحب الحدائق : وروينا عن السيّد أبي العباس بإسناده أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : كان المغيرة بن شعبة قد أشار عليّ ان استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت عليه ، ولم يكن الله ليراني أن اتخذ المضلين عضدا.
قال : قال الواقدي في حديثه : فلمّا علم معاوية ذلك من عليّ ، قال : والله ما كتبت إليه وأنا أريد أن أليَ له شيئاً ولا أبايعه ، ولكن أردت أن أخدعه وأقول لأهل الشام انظروا إلى عليّ وإلى ما عرض عليّ فيزيدهم بصيرة ويختلف أهل العراق عليه.
وروى غير واحد : أنّ معاوية أرسل أبا هريرة وأبا الدرداء إلى الإمام يدعوانه ليعيد الأمر شورى بين المسلمين ، وقد مرّا في رجوعهما من الإمام بحمص فعاتبهما عبد الرحمن بن غنم بن كريب الأشعري صاحب معإذ بن جبل وكان أفقه أهل الشام ، فكان ممّا قال لهما : عجبت منكما كيف جاز عليكما ما جئتما به تدعوان عليّاً إلى أن يجعلها شورى ، وقد علمتُما أنّه قد بايعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجاز والعراق ، وأنّ من رضيَه خيرٌ ممّن كرهه ، ومن تبعه خير ممّن لم يتابعه ، وأيّ مدخلٍ في الشورى لمعاوية ، وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة ، وهو وأبوه رؤوس الأحزاب (١).
لمّا عزم الإمام على المسير بنفسه إلى حرب معاوية ، وكان ذلك قصده الأوّل منذ كان في المدينة ، لولا أنّ الناكثينَ ـ طلحة والزبير ـ ومن لفّ لفهما من بني أمية واستغوائهم عائشة خرجوا معلنين الخلاف على الإمام ، صرفه عن قصده
____________
(١) أنظر المقفّى الكبير للمقريزي ٤ / ٤٧ دار الغرب الإسلامي.