لمن في الدار من التفكير في كيفية أخذ البيعة للإمام الحسن (عليه السلام) ، من الناس ، وهم هم أنفسهم في الأمس القريب في مواقفهم المتخاذلة مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى ملّهم وتبرّم بهم ومنهم ، ودعا لنفسه وعليهم أن يريحه الله منهم ، فاستجاب له دعاءه.
وما من شك أيضاً أنّ الناس الّذين اجتمعوا في المسجد في حالة انتظار وترقّب ، وهم على وجل ممّا تحمله معها أيامهم المقبلة من عاديات معاوية الّذي يتربص بهم ويتحيّن الفرصة ، وقد وافته ، وبالأمس القريب كانت غاراته تترى على أطراف بلادهم ، مضافاً إلى ما له في الكوفة من أناس ـ ولنسميهم طابوره الخامس ان صح التعبير ـ سوف يستغلون الفراغ الّذي خلّفه غياب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، إذن فلابدّ من سدّ هذا الفراغ بقيام إمام من بعده ، يسدّد شؤونهم ، ويلوذون به في ملمّاتهم ، وإلاّ فسيكونون عرضة للضياع وانتهاش الضِباع.
وبين خضم المداولات في الدار والتكهنات خارج الدار ، تبدّى الصبح لذي عينين ، كما بدت طلعة الكهل الوقور وقد جلّله الحزن ليطالع الناس بموقف إعلام بصيغة استعلام ، واعلان بلغة استفهام ، فمن ذا هو؟ وماذا قال؟
كان ذلك الرجل الثاكل الحزين الّذي بدّد سأم التربّص والترقب لدى الناس ، هو عبد الله بن عباس.
ومن هو أولى منه في تلك الساعة الحرجة فهو مع حزنه البالغ المشوب بالحذر من المفاجأة ، عليه أن يلج الرتاج ويفتح المغلق في صدور الناس ، وعليه أن يهيء الجو المكفهرّ بالحزن لاستقبال بيعة جديدة ، وعليه أن يدعو بدون