ترهيب أو ترغيب ، وعليه أن يخبر ولكنه بلغة المستخبر ، فهو معلن ولكنه بلهجة مستفهم ، لذلك خرج إلى الناس وهم في تطلّع إلى ما يقول ، وهو أيضاً في تطلّع إلى ما في النوايا ، يريد أن يستطلع الآراء ليعرف الخبايا في مدى الإستجابة والاستعداد لقبول البيعة الجديدة ، وذلك قبل أن يعلمهم بالإمام الجديد فقال للناس بصوته الجهوري الموروث : « إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) توفي وقد ترك خَلَفاً ، فإن أحببتم خرج إليكم ، وإن كرهتم فلا أحد على أحد » ، فبكى الناس وقالوا : بل يخرج إلينا.
ولا شك أنّ المقام كان يستدعي أكثر من هذا الكلام ، ويتضح ذلك ممّا جاء في رواية البلاذري : قال : « وخرج عبيد الله (كذا) بن العباس بن عبد المطلب إلى الناس بعد وفاة عليّ ودفنه فقال : إنّ أمير المؤمنين (رحمه الله) تعالى قد توفي براً تقيا ، عدلاً مرضياً ، أحيى سنة نبيّه وابن عمه وقضى بالحق في أمته وقد ترك خَلَفاً رضيّاً ، مباركاً حليماً ، فإن أحببتم خرج إليكم فبايعتموه ، وإن كرهتم ذلك فليس أحد على أحد. فبكى الناس : وقالوا : يخرج مطاعاً عزيزا » (١).
لغة تنبئك عمّا تكنّه نفس القائل من حنكة ودربة ودهاء ، كما أنّ جواب الناس بلغة البكاء ، تنبئك عمّا تكنّه نفوس السامعين من الحب والولاء ، وما في دخيلتها من عاطفة ورثاء ، ولا يمنع ذلك من وجود مراض النفوس بينهم ممّن يسرّون حسواً في ارتغاء.
والآن نحن أزاء هذا الموقف في حدود ما قرأناه في الخبر فهل نجد تطوراً في المبدأ الثابت لابن عباس والمعلن في مسألة الإمامة والإمام ، فبعد
____________
(١) أنساب الأشراف ٣ / ٢٨ تح ـ المحمودي ط بيروت.