من الخَيرة المستساغة تعريف القارئ ببعض الآراء الحرّة الّتي شجبت نتائج التحكيم من خلال إدانة الحكمين ، وأصحاب تلك الآراء ليسوا من شيع الإمام (عليه السلام) حتى تمسّهم التهم ، لكنهم أصحاب مشاعر وجدانية تطغى على العاطفة فتصوّر لنا مدى تأثير تلك المهزلة أو المأساة ـ كما سماها العقاد ـ في نفوسهم.
١ ـ قال الدكتور طه حسين : « ولم يكن أبو موسى مغفلاً كما قال المؤرخون ، ولو كان مغفلاً لما اختاره عمر لولاية الأمصار ، ولما اختاره أهل الكوفة لولاية مصرهم حين ظهرت الفتنة واشتدت أيام عثمان ، ولكنه كان رجلاً تقياً ورعاً سمح النفس رضي الخلق ، يظن أنّ المسلمين ولا سيّما الذين صحبوا النبيّ منهم خاصة أرفع مكانة في أنفسهم وفي دينهم من أن ينزلوا إلى الغدر ، فأخلف ظنه عمرو ، ولا أكثر من ذلك ولا أقل ، وهو من أجل ذلك فرّ بدينه إلى مكة فاعتزل فيها مجاوراً نادماً على أنّه لم يسمع لابن عباس » (١).
٢ ـ قال الشيخ عبد الله العلائلي : « ولقد أخطأ من ظن من المستشرقين وسواهم أنّ الّذي أظفر معاوية بهذه الحكومة هو عمرو بدهائه وغفلة أبي موسى ، والحقيقة أنّ الّذي أظفر معاوية وأكسبه النجاح هو أبو موسى نفسه الّذي لم يكن ما أتاه غفلة وأفُوناً ، بل سوء نية ومكر حيث اقترح إقالة عليّ وترشيح عبد الله بن عمر فقد يحتمل أن يكون غفلة لو كان يعمل لحساب عليّ كرّم الله وجهه ، ولكن أمّا وهو يسعى لترشيح عبد الله بن عمر باستغلال الظرف فممّا لا يحتمل أبداً ... » (٢).
____________
(١) عليّ وبنوه / ١١١ ط دار المعارف سنة ١٩٥٣ م.
(٢) سمو المعنى في سمو الذات لعبد الله العلائلي / ٥٦ ـ ٥٧ ط عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر سنة ١٣٥٨ هـ.