٣ ـ قال عبد المتعال الصعيدي المدرس بكلية اللغة العربية من كليات الجامع الأزهر : « ولا شك أنّ هذا التحكيم من الناحية القضائية لا قيمة له ، لأنّ الحكمين لم يتفقا فيه على شيء يلزم المتخاصمَين ولكنه كان من الناحية السياسية فوزاً سياسياً لـ (معاوية) وشيعته ، فقد أمكنه أن ينجو به من هزيمة محققة ، وأن يوقع به خلافاً كبيراً في شيعة (عليّ) وان يحمل الحَكم الّذي اختاره (عليّ) على خلعه ، وهذا انتصار سياسي له قيمته.
وإنّي أرى ـ بعد هذا ـ أنّ فشل الحكمين يرجع إلى عدم تعيين أمر التحكيم ، لأنّ خلافة (عليّ) صارت ثابتة باختيار جمهور المسلمين له ، وإنّما كان النزاع بينه وبين (معاوية) في دم (عثمان) وكان الواجب أن يقتصر أمر التحكيم على هذه المسألة ، وألاّ يترك مبهماً من غير تعيين ، ولو أنّه اقتصر على ذلك لأمكن اتفاق الحكمين فيه ، لأنّه يرجع إلى أمر معلوم حكمه في الشرع ، أمّا مسألة الخلافة فأمرها متشعب كلّ التشعب ، وللسياسة إصبع ظاهرة فيها ، وقلّما يتفق الناس في أمر تدخل السياسة فيه بإصبعها ، على أنّ الخلافة يرجع أمرها إلى المسلمين كافة ، فلا يصح أن يقضى فيها بمثل هذا التحكيم ، وإنّما يجب أن يترك أمرها للمسلمين ، ولكن في غير الحال الّتي اجتمع فيها الحكمان ، لأنّه حال الخلافة قائمة باختيار المسلمين ، فلا يملكون عزل الخليفة القائم إلاّ بسبب يوجب العزل.
كما أرى أيضاً أنّ (أبا موسى) يتحمل تبعة فشل هذا التحكيم اكثر من (عمرو) لأنّه ذهب فيه مذهباً لا يمكن تحقيقه ، وإن كان له فيه عذر المجتهد الّذي يخطئ في اجتهاده ، أمّا (عمرو) فقد رأى أنّه لا يمكنه مجاراة (أبي موسى)