وقال : « ومضى امتحان عليّ على هذا النحو المرّ ، خيانةً من الوليّ وكيداً من العدو ، وهو بين ذلك كله مصمّم على خطّته الواضحة ، لا يرضى الدنيّة من الأمر ، ولا يُدهن في دينه ، ولا يتحوّل عن سياسته الصريحة قليلاً ولا كثيراً ، والمحن تتابع عليه ويقفو بعضها إثر بعض ، وهو ماضٍ في طريقه لا ينحرف عنه إلى يمين أو إلى شمال ، يبلغ منه الغيظ أقصاه ، ويضيق بحياته أشد الضيق ، فلا يزيد على أن يجمجم ويُظهر غيظه دون أن يَلفته شيء من ذلك عمّا صمّم عليه » (١).
لم يدع معاوية فرصة تمرّ به دون أن ينتهزها للكيد للإمام (عليه السلام) ، من غارات على أطراف البلاد الّتي تتبع الإمام في حكومته ، فشاع الخوف والرعب في نفوس الناس من جراء تلك الغارات ، وقد ذكر المؤرخون كثيراً منها ، وجمع منها بعضهم ما سمى بها كتاب الغارات وذلك هو محمّد بن إبراهيم الثقفي المتوفى سنة ٢٨٣ هـ ، ولم يقصر عنه ابن أعثم المتوفى سنة ٣١٤ هـ في كتابه الفتوح في ذكرها وكذلك الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هـ.
فذكروا أنّ معاوية وجّه النعمان بن بشير سنة تسع وثلاثين إلى عين التمر في ألفي رجل فأغاروا عليها ، وكان بها مالك بن كعب مسلحة للإمام في مائة رجل فكتب مالك إلى عليّ يخبره بأمر النعمان ومن معه ، فخطب عليّ الناس وأمرهم بالخروج فتثاقلوا ، وواقع مالك النعمان ، والنعمان في ألفي رجل ومالك في مائة رجل ، وأمر مالك أصحابه أن يجعلوا جُدُر القرية في ظهورهم. وكتب
____________
(١) نفس المصدر / ١٢٩.