العافية وينتهز الفرصة ويبتغي لنفسه الخير مهما يكن مصدره ، يعنيه أمر نفسه قبل أن يعنيه أي شيء آخر.
ولم يكن مصقلة فَذّا في ذلك ، وإنّما كان له أشباه من أشراف الناس فضلاً عن عامتهم في الكوفة والبصرة جميعاً ، فهو يشتري الأسرى ويعتقهم لا يبتغي ثواب الله ، ولا يبتغي حسن الأحدوثة ، وإنّما يستجيب للعصبية وحدها ، ويتخذ المكر بالسلطان وسيلة إلى إرضائها ، فإذا علم السلطان مكره وطالبه بالحقّ لم يصطبر له ، ولم يؤدّ منه ما لزمه ، وإنّما فرّ إلى الذين يحاربون الخليفة ، ويكيدون له ، فأصبح عدواً بعد ان كان وليّاً. ولم يكن لقاء معاوية له وترحيبه به وإيثاره إياه بالمعروف خيراً من التوائه هو بالدَين وفراره هو إلى الشام ، وإنّما كان كيداً من الكيد ، ومكراً من المكر ، ومكافأة على ما لا يحسُن أن يكافأ عليه المسلم الصدوق ، إنّما كان ذلك يحسُن لو قد فرّ إلى معاوية رجل من الروم ليكيد معه لقيصر ، ويُعينه على غزو العدو ، فأمّا أن يؤوي مَن كاد معه لإمامه لا بشيء ، ونكث عهده لا لشيء ، إلاّ لأنّه قد يعينه على إفساد أمر العراق ، فهذا هو الّذي يبيّن وجهاً خطيراً من وجوه السياسة الّتي أراد معاوية أن يقيم عليها أمر السلطان الجديد ، سياسة الدنيا بأعراضها وأغراضها ، وبمنافعها ومآربها ، وباهوائها وشهواتها » (١).
وهنا يظهر الفرق واضحاً بين مذهب عليّ في السياسة الّتي تُخلص للدين ، ومذهب معاوية في السياسة الّتي تخلص للدنيا.
____________
(١) عليّ وبنوه / ١٢٧ ـ ١٢٨ ط دار المعارف.