وستأتي شواهد على ما قام به ابن عباس أيام إمارته بالبصرة في مهام الأعمال كتولية القضاء وديوان الخراج وبيت المال وشؤون الأمن إلى غير ذلك ممّا سيوافينا الحديث عنها فيما نقرأ من تاريخ حياته في أيام ولايته.
لماذا تم اختيار ابن عباس بالذات دون غيره؟ وهل أثار النقمة؟
والجواب على السؤال الأوّل : هو أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما في حديث ابن عباس قال : (من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين) (١).
وهذا الحديث يجعلنا على يقين بأنّ الإمام لم يجاوزه في اختيار ولاته وعماله فهو الّذي كان على وتيرة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في اتباع سنته.
وأمّا الجواب على السؤال الثاني : هو أنّ مسألة اختيار الولاة منذ عهد عثمان كانت تعيش في أذهان المسلمين عقدة مستعصية ولدت النقد له والنقمة عليه ، إذ كانت وقفاً على الأقرباء والأنسباء ، ولم تزل بعدُ نفوس المسلمين في تخوّف من أن تعود الكرّة في عهد الإمام كما كانت في عهد عثمان.
ولا شك أنّ الإمام كان يدرك ما في نفوس المسلمين من تخوّف ، ولمّا كان بصيراً بأصحابه الذين لهم قابليات الولاية حسب الكفاءة والمؤهلات ، فهو سيختار منهم مَن لا تأخذه في تعيينه لومة لائم ، فذلك هو الإجراء الملائم
____________
(١) أنظر تفسير المنار ٥ / ٢١٥ ـ ٢١٦ باختصار نقلاً عن صحيح مسلم وأبي داود.