وسلوكية الإمام وسياسته. ولو استعرضنا الذين ولاّهم بالمدينة إبّان حكمه ، لوجدنا الأبعدين منهم أكثر من الأقربين وأنه لم يكن ليولي ذوي الأرحام على حساب القربى وهو يعلم نقمة المسلمين.
ولو عدنا نستذكر حديث أوّل والٍ أراده ولم يتمّ له الأمر ، لوجدناه أراد تولية عبد الله بن عباس على الشام ، ومعلوم أن ابن عباس هو ابن عمه ، ونسخة مصغرة عنه ـ لو صح التعبير ـ فلنقرأ ما رواه الطبري في ذلك في حديث مشورة المغيرة وابن عباس وقد مرّ ، وقد جاء فيه : « فقال لابن عباس : سر إلى الشام فقد وليتكها ، فقال ابن عباس : ما هذا برأي ، معاوية رجل من بني أمية وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام ، ولست آمن من أن يضرب عنقي ، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم عليّ. فقال عليّ : ولم؟ قال : لقرابة ما بيني وبينك ، وان كلّ ما حُمل عليك حُمل عليّ ، ولكن اكتب إلى معاوية فمنّه وعِده ، فأبى عليّ وقال : والله لا كان هذا أبداً » (١).
إذن كلّ ما حُمل على الإمام حُمل على ابن عباس ، للقرابة الّتي بينهما. ومن الطبيعي هكذا محاولة لا تثير لغطاً ولا تساؤلاً أو نقمة بين المسلمين ، لأنها حديث خاص بين الإمام وبين ابن عمه ، ولم يتسرب إلى الخارج إلاّ بعد حين ، فهم لم يعلموا به في حينه لنعرف مدى تأثيره في مجتمعهم.
لكن الّذي لا شك فيه أنّهم علموا بأسماء الولاة الذين أرسلهم إلى الأقطار بعد تولّيه الحكم ، وهم على ما في الطبري من حديث سيف (؟) في حوادث سنة٣٦ هـ : « بعث عليّ عمّاله على الأمصار فبعث عثمان بن حنيف على البصرة ،
____________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٤٤٠ ، وطبقات ابن سعد ١ / ١٧٣ تح ـ السُلمي.