لمّا انقضى أمر الحكمين ، وعاد أهل الشام مع عمرو بن العاص سلموا على معاوية بالخلافة ، ولم يكونوا بايعوه من قبل إلاّ على الطلب بدم عثمان ، أمّا الآن فقد تصيّدت الدنيا رجالاً بفخّها ، فمعاوية صار نداً لعليّ في دعوى الخلافة ، وعمرو بن العاص يريد طعمته الّتي شايع معاوية عليها وهي مصر ، ومصر لا تزال تحت حكم الإمام ، إذن لابدّ من التحرّك لافتتاحها وما أيسره إذ لا تزال بمصر عثمانية الهوى ، ومهما كان محمّد بن أبي بكر والي الإمام على درجة عالية من الحنكة السياسية فهو بين عدوين لدودين ، من الداخل والخارج وهما أقوى منه لو أراد المجالدة ، لكنه كان يمكنه أن يكون هو الأقوى منهما لو استعمل المجادلة بالحسنى مع العدو الداخلي كما فعل ذلك قيس بن سعد يوم كان عامل الإمام على مصر ، أمّا محمّد بن أبي بكر فلم يهادن العثمانية ولم يهادن أهل خربتا بل قاتلهم في أوّل ولايته فهم ناصبوه العداء كما ناصبهم فأصبحت مصر فريسة مستساغة لمعاوية ، فأرسل إليها عمرو بن العاص مع ستة آلاف لأخذها وطرد محمّد منها ولكن محمّد لم يكن لين العريكة بل كان أقوى شكيمة وعزيمة فلم يكن يتخلى عن مصر ويسلّم أمانته إلى عمرو بن العاص وداهمه الخطر وأحدق به فاستنصر الإمام يطلب منه المدد ، وفي العدة والعدد ، فأمر الإمام بأن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمع الناس فخطبهم وحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ قال : (أمّا بعد فان هذا صريخ محمّد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر قد سار اليهم ابن النابغة عدو الله وولي من عادى الله ، فلا يكونن اهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعاً منكم على حقكم هذا فإنّهم قد بدأوكم وإخوانكم بالغزو فأعجلوا اليهم بالمواساة والنصر ، عباد الله