ومهما شككنا في القبلية والبعدية بين النهروان ومقتل محمّد ، فإنّا لا نشك في حضور ابن عباس بالكوفة بعد حرب النهروان وقد أرسله الإمام داعياً بقية الخوارج في النخيلة فأبوا.
والآن لنقرأ ما قاله أبو العباس المبرّد (١) : « وكان أهل النخيلة جماعة بعد أهل النهروان ممّن فارق عبد الله بن وهب ، وممّن لجأ إلى راية أبي أيوب ، وممّن كان أقام بالكوفة فقال : لا أقاتل عليّاً ولا أقاتل معه ، فتواصوا فيما بينهم وتعاضدوا وتأسّفوا على خذلانهم أصحابَهم ـ ثمّ ذكر قيام المستورد فيهم خاطباً يدعوهم إلى الجهاد ـ فكلٌّ أجاب وبايع.
قال المبرّد : فوجّه إليهم عليّ بن أبي طالب عبد الله بن العباس داعياً ، فأبوا ... ثمّ قال ثمّ سار إليهم فطحنهم جميعاً لم يفلت منهم إلاّ خمسة ...
قال المبرّد : وفيهم يقول عمران بن حطان :
إنّي أدين بما دان الشراة به |
|
يوم النخيلة عند الجوسق الخربِ (٢) |
وعاد المبرّد فذكر مناظرة أهل النخيلة لابن عباس ، فقال : وكان أصحاب النخيلة قالوا لابن عباس : إن كان عليّ على حق لم يشكك فيه ، وحَكّم مضطراً فما بالُه حيث ظفر لم يسب ، فقال لهم ابن عباس : قد سمعتم الجواب في التحكيم ، فأمّا قولكم في السباء ، أفكنتم سابين أمكم عائشة! فوضعوا أصابعهم في آذانهم وقالوا : أمسك عنا غَرب لسانك فانّه طلق ذلق ، غواصّ على موضع الحجة » (٣).
____________
(١) الكامل ٣ / ٣٣٦ ط نهضة مصر بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم.
(٢) الجوسق الخرب بظاهر الكوفة عند النخيلة ، والبيت في معجم البلدان ٣ / ١٧٠ من أبيات نسبها إلى قيس بن الأصم الضبي.
(٣) الكامل ٣ / ٢٣٨.