ولنا أن نسأل : مَن هم القوم الذين يطلب ابن عباس من الإمام الكف عنهم؟
أهم الخوارج ـ كما هو المتبادر للقرينة المقامية ـ؟ فهؤلاء سبق للإمام أن حاربهم بالنهروان واستأصل شأفتهم ولم ينج منهم إلاّ ثمانية فرّوا كما مرّ ذكر ذلك. وابن عباس على علم بذلك ، فأيّ معنى للكف عن أناس انتهى أمرهم وقضي عليهم بالنهروان؟
وإن كان القوم غيرهم فمن هم؟
والّذي يبدو لي أنّ المحاورة من نسج غبّي لم يحسن الصنعة ولا شك أنّه من أولئك الذين إذا هَووُا أمراً صيّروه ديناً كما مرّت الإشارة إليه آنفاً ، ولكنه من قوم لا يفقهون.
ويبدو أنّ المؤلف الأباضي صاحب العقود الفضية لم يقف على ما ذكره البلاذري في الأنساب : « قالوا : وكتب عليّ إلى عبد الله بن عباس بمقتل محمّد ابن أبي بكر وعبد الله بالبصرة ، قبل أن يكتب أبو الأسود الدئلي إلى عليّ فيه ، وقبل أن يقع بينهما المنافرة ، وكان عبد الله قد نافر عليّاً بالنهروان ولحق بمكة » (١).
قلت : يبدو أنّ الأباضي لم يقف على هذا ، وإلا لجعل منها أساساً يعليّ عليه بنيانه ، ويدعم هذيانه على أنّ ذلك لا يجديه شيئاً ، لأنّ وقعة النهروان ـ فيما رواها البلاذري ـ كانت في ٩ صفر سنة ٣٨ هـ ، وفي قول غيره سنة تسعة وثلاثين ، ومقتل محمّد كان في سنة ٣٩ هـ لكنه لم يكن قبل وقعة النهروان ، فإذا (كان ابن عباس قد نافر عليّاً بالنهروان ولحق بمكة) كيف يصح أنّه كتب إليه بمقتل محمّد وهو بالبصرة ...؟
____________
(١) أنساب الأشراف ٢ / ٤٠٥ تح المحمودي.